بارقة أمل.. هل يُمكن إيقاف الهزال الناتج عن السرطان؟

“الهزال السرطاني” متلازمة تتمثل في فقدان الوزن وفقدان الشهية والوهن وفقر الدم، ويمكن أن يترك التدهورُ الجسدي المصاحب للهزال الشخصَ ضعيفا ومتعبا وغير قادر على تناول الطعام أو غير راغب فيه، مع تغييرات مقلقة في مظهره. وهذه المشاكل يمكن أن تجعل الأنشطة اليومية مهام شاقة إن لم تكن مستحيلة، وفقا للمعهد الوطني الأميركي للسرطان.

ويُقدر أن ما يصل إلى 80% من الأشخاص المصابين بمراحل متقدمة من السرطان؛ يعانون من الهزال، ويعتمد ذلك على نوع السرطان واستجابة المرضى للعلاج. ويُعتقد أن الهزال يتسبب مباشرة بما يصل إلى 30% من وفيات السرطان، وغالبا يكون السبب فشل القلب أو الجهاز التنفسي المرتبط بفقدان العضلات.

يقول البروفيسور بو لي من مختبر كولد سبرينغ هاربور في الولايات المتحدة كما نقل عنه موقع يوريك أليرت: “يموت معظم الأشخاص المصابين بالسرطان بسبب الهزال السرطاني وليس من السرطان. وعندما يدخل المريض هذه المرحلة، لا توجد وسيلة للعودة لأن العلاج غير موجود بشكل أساسي”.

فهل هناك في الأفق أي بارقة أمل لإنقاذ مرضى السرطان من الهزال؟

الهزال الناجم عن السرطان يتسبب مباشرة بما يصل إلى 30% من وفيات السرطان (بيكسلز)

الهزال واختطاف الاستجابة المناعية

السرطان مرض خبيث يختطف العمليات البيولوجية السليمة خلال تقدمه ويستخدمها لينمو وينتشر، فهو مثلا يختطف استجابة الجسم المناعية ويجعلها تعمل لصالحه عندما تَرفع الأورام مستويات جزيء الإنترلوكين 6 (جزيء من جزيئات الجهاز المناعي)، مما قد يتسبب بخلل دماغي شديد يؤدي في حوالي 50-80% من الحالات إلى مرض الهزال السرطاني.

بارقة أمل

غير أن البروفيسور لي وباحثين آخرين من أربع مختبرات، وجدوا أن منع الإنترلوكين 6 من الارتباط بالخلايا العصبية في جزء من الدماغ يسمى منطقة بوستريما؛ يمنع الهزال السرطاني في الفئران، ونتيجة لذلك تعيش الفئران فترة أطول مع وظيفة دماغية صحية. ويمكن للأدوية المستقبلية التي تستهدف هذه الخلايا العصبية أن تساعد في جعل الهزال السرطاني مرضا يمكن علاجه، وذلك وفقا لبحث البروفيسور لي وزملائه المنشور في مجلة نيتشر كويونكشنز في الأول من يوليو/تموز الحالي.

ويلعب الإنترلوكين 6 دورا حاسما في الاستجابة المناعية الطبيعية، إذ تنتشر جزيئاته في جميع أنحاء الجسم، وعندما تواجه تهديدا محتملا تنبه الدماغ لتنسيق الاستجابة. ويأتي السرطان فيعطل هذه العملية.

ويُنتج الجسم كمية كبيرة من الإنترلوكين 6، والتي تبدأ في الارتباط بالخلايا العصبية في منطقة بوستريما في الدماغ. يقول البروفيسور لي: إن ما يفعله السرطان لإبطال عمل الإنترلوكين 6 “يؤدي إلى عدة عواقب، واحدة منها أن الحيوانات والبشر على حد سواء سيتوقفون عن الأكل، والعاقبة الأخرى تفعيل الاستجابة التي تؤدي إلى متلازمة الهزال”.

نهج مزدوج

اتخذ فريق البحث والدراسة نهجا مزدوجا لمنع الإنترلوكين 6 المرتفع من الوصول إلى الدماغ في الفئران، وكانت إستراتيجيتهم الأولى تحييد جزيئات الإنترلوكين 6 بالأجسام المضادة المخصصة، والثانية من خلال تقليل مستويات مستقبِلات الإنترلوكين 6 في الخلايا العصبية بمنطقة بوستريما بشكل ملحوظ، وكلا التكتيكين أنتج نفس النتائج، إذ بدأت الفئران في الإقبال على الطعام مرة أخرى، وتوقف فقدانها الوزن، وعاشت فترة أطول.

وبالنسبة لبروفيسور لي كانت التأثيرات مذهلة، وعبر عن ذلك بالقول: “الدماغ قوي جدا في تنظيم النظام المحيطي، وببساطة فإن تغيير عدد قليل من الخلايا العصبية في الدماغ له تأثير عميق في وظائف الجسم بالكامل.. كنتُ أعلم أن هناك تفاعلا بين الأورام ووظيفة الدماغ، لكنْ ليس إلى هذا الحد”.

يضيف لي أن فريقه الآن عازم على معرفة كيفية ترجمة هذا الاكتشاف لصالح المرضى، “فإذا تمكنا من استخدام ما تعلمناه لمنع أو علاج الهزال السرطاني، يمكننا زيادة جودة حياة المرضى بشكل كبير، وقد يكون لهذا تأثير كبير في حياة العديد من الناس يوما ما”.

المصدر : الجزيرة نت

Exit mobile version