الخسارة التاريخية التي تعرض لها الحزب الديمقراطي في انتخابات 2024 تعكس سلسلة من التحديات والقرارات السياسية التي أثرت على مسار الحملة الانتخابية. من الواضح أن هذا الانكسار جاء نتيجة لعدة عوامل داخلية، أبرزها قرار الرئيس جو بايدن بالترشح لولاية ثانية على الرغم من تزايد الشكوك حول قدرته على المنافسة، وأيضًا تراجع التأييد له في صفوف الحزب الديمقراطي.
قرار بايدن بالبقاء في السباق على الرغم من تزايد الضغوط ربما كان بمثابة حجر الزاوية في هذا الفشل الانتخابي، لأنه لم يترك المجال للمرشحين الجدد مثل كامالا هاريس لتقديم أنفسهم بشكل قوي. مع انسحاب بايدن في اللحظات الأخيرة، كان على هاريس أن تواجه تحديات كبيرة في سباق لم يكن أمامها سوى خوضه في وقت متأخر، مما جعل الحملة الديمقراطية تبدو مشتتة وغير منظمة.
بالنسبة لسؤال “هل هاريس أفضل خيار للديمقراطيين؟”، من الصعب القول بشكل قاطع. رغم أن هاريس كانت أول امرأة ذات أصول عرقية وجنسية مختلفة تُنتخب كنائبة للرئيس، إلا أن تجربتها السياسية لم تكن دائمًا موضع إجماع داخل الحزب الديمقراطي. يشير العديد من المراقبين إلى أن فرصها في مواجهة ترامب قد تكون محدودة في ظل المناخ السياسي المتقلب، خاصةً إذا كانت الحملة تفتقر إلى رؤية استراتيجية موحدة.
من جهة أخرى، يمكن القول أن الديمقراطيين ربما كانوا بحاجة إلى شخص جديد كمرشح قادر على تجديد الأمل بالحزب، لكن تم إعاقة هذا الخيار بسبب استمرار بايدن في السباق لولاية ثانية. ربما لو قرر بايدن الانسحاب في وقت مبكر، كان بإمكان الحزب أن يتجنب العديد من هذه الصراعات الداخلية ويُظهر قدرة على المنافسة الحقيقية مع الجمهوريين.
ما يواجهه الديمقراطيون الآن هو عملية إعادة بناء وتقييم الخيارات المستقبلية التي قد تساعدهم على استعادة قوتهم السياسية.
تصريحات بيل أكمان تعكس حالة الاستياء التي تسود بين بعض الداعمين البارزين للحزب الديمقراطي بعد الخسارة الكبيرة في انتخابات 2024. الانتقادات التي وجهها أكمان والاتهامات التي تم تداولها حول كذب الحزب على الشعب الأمريكي بشأن صحة بايدن وملاءمته لمواصلة ولاية ثانية، تُظهر حجم الاستياء داخل الحزب، خاصة من أولئك الذين كانوا يدعمون بايدن في البداية.
من الواضح أن أداء بايدن في الحملة الانتخابية، لا سيما بعد المناظرة التلفزيونية المخيبة في يونيو، كان له تأثير عميق على صورة الحزب. كما أثيرت تساؤلات حول قرار الحزب بعدم إجراء انتخابات تمهيدية حقيقية قبل أن يعلن بايدن انسحابه من السباق. البعض يرى أن الحزب كان يتجاهل المخاوف بشأن صحة بايدن العقلية والجسدية، وهو ما عكسته الانتقادات الحادة من المتبرعين وبعض مسؤولي الحزب.
هذا الواقع يعكس مشكلة هيكلية كبيرة داخل الحزب الديمقراطي، حيث يُنظر إلى قرار بايدن بالبقاء في السباق لفترة طويلة رغم الشكوك حول قدراته البدنية والعقلية على أنه خطأ استراتيجي كارثي. إذا كان قد انسحب في وقت مبكر، ربما كان الديمقراطيون قد حصلوا على فرصة لتنظيم حملة أفضل، واختيار مرشح جديد مع رؤية جديدة.
أما بالنسبة للهزيمة الثانية التي تعرض لها الحزب أمام ترمب (بعد هزيمة هيلاري كلينتون في 2016)، فهي تثير تساؤلات حول قدرة الديمقراطيين على مواجهة ترامب مجددًا. يبدو أن هناك نمطًا متكررًا من الخسائر أمام الجمهوريين في السنوات الأخيرة، ما يشير إلى حاجة ماسة لإعادة تقييم الاستراتيجية السياسية، وتحديث القيادة داخل الحزب.
في النهاية، يجب على الحزب الديمقراطي أن يقوم بإصلاحات جذرية إذا أراد استعادة ثقة ناخبيه وتجاوز هذه الأزمة. قد تشمل هذه الإصلاحات توفير قيادة جديدة أكثر قدرة على الإقناع، ومراجعة سياساته الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالشفافية والاتصالات مع الناخبين.