ظاهرة النمو العشوائي في بلدية قالمة: تحديات التخطيط والفساد الإداري

تشهد بلدية قالمة في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة البناء العشوائي، والتي باتت تشكل تهديدًا كبيرًا على التنمية المحلية والموارد العامة. هذه الظاهرة ليست محصورة فقط في الخروقات القانونية المتعلقة بالبناء غير المرخص، بل تتداخل أيضًا مع قضايا الفساد الإداري والبيروقراطية التي تساهم في تفاقم الأزمة.

في إطار جهودها لمكافحة هذه الظاهرة، أطلقت السلطات المحلية حملة واسعة تهدف إلى هدم البنايات غير الشرعية في حي أولاد حريد 450 مسكن. هذه العملية أسفرت عن هدم أربع بنايات شيدت دون ترخيص قانوني على أراضٍ كانت مخصصة أصلاً لإنجاز مدرسة ابتدائية. ورغم أن عملية الهدم تمّت وفق الإجراءات القانونية، إلا أن تساؤلات كثيرة تُطرح حول جدوى هذه الإجراءات في مواجهة تفشي البناء العشوائي على نطاق واسع.

الظاهرة لا تقتصر على حي واحد أو منطقة معينة، بل تشمل العديد من الأحياء خاصة في المناطق الغربية من بلدية قالمة. وبحسب التقديرات، تجاوز عدد طالبي السكن الاجتماعي في البلدة 30 ألف ملف، بينما لا تتوفر سوى حصص سكنية محدودة. في ظل هذه الأزمة السكنية الخانقة، يتم الاستيلاء على الأراضي العامة بطريقة فوضوية وغير قانونية، ما يفاقم المشكلة ويؤدي إلى تدهور الوضع العمراني بشكل عام.

تستمر هذه الظاهرة في الازدياد نتيجة لغياب الرقابة الفعّالة من قبل السلطات المختصة، سواء على مستوى البلدية أو الدائرة أو حتى من قبل الأجهزة الأمنية. وبالرغم من محاولات بلدية قالمة لتحديث مخطط شغل الأراضي، إلا أن العمليات العقارية غير القانونية ما زالت تشكل تحديًا كبيرًا. عملية الاستيلاء على الأراضي باتت ظاهرة مألوفة، سواء عبر مشاريع وهمية أو من خلال ممارسات غير قانونية في مناطق استراتيجية مثل قاعدة الحياة والطريق البلدي قالمة بن جراح.

من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال دور البيروقراطية والتواطؤ الإداري في تفشي هذه الظاهرة. فقد أتاح النظام الإداري غير الشفاف فرصة للعديد من الأشخاص للاستفادة بشكل غير قانوني من الأراضي والعقارات العامة. هذا الفساد الإداري لا يضر فقط بمصالح المواطنين العاديين، بل يعوق أيضًا الاستفادة من الفرص التنموية التي قد تساهم في تحسين وضع السكن والخدمات العامة في المنطقة.

إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب اتخاذ خطوات جادة على جميع الأصعدة. أولًا، يجب أن تكون هناك متابعة دقيقة للتطبيق الفعلي لقوانين حماية الأراضي والممتلكات العامة، مع تعزيز التنسيق بين مختلف الأجهزة المختصة. ثانيًا، يجب أن تتزامن هذه الجهود مع محاربة الفساد الإداري عبر إجراءات صارمة ومراجعة شاملة للنظام الإداري المتبع. ثالثًا، من الضروري أن يتم تقديم حلول سكنية عادلة وواقعية تلبي احتياجات المواطنين بشكل يضمن الاستدامة والعدالة الاجتماعية.

ختامًا، إن القضاء على ظاهرة النمو العشوائي يتطلب إرادة سياسية قوية وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، من سلطات محلية وأمنية ومجتمعية. يجب أن يكون الهدف هو بناء بيئة حضرية تحترم الحقوق القانونية للمواطنين وتضمن لهم حياة كريمة ومستقبلًا أفضل في ظل التنمية المستدامة.

فيصل كباسي

Exit mobile version