في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعادت فرنسا ثلاث جماجم إلى مدغشقر، بينها جمجمة يُعتقد أنها تعود للملك تويرا، آخر ملوك الساكالافا بمنطقة مينابي، والذي أُعدم وقطع رأسه على يد القوات الاستعمارية الفرنسية عام 1897.
وتُعد هذه الإعادة أول تطبيق فعلي لقانون فرنسي صدر عام 2023 يتيح استرجاع الرفات البشرية من المتاحف العمومية، فاتحةً الباب أمام دول أخرى تطالب بمصير مماثل لرموزها الذين قُتلوا في سياق الحقبة الاستعمارية.
ذاكرة مُثقلة
الجماجم الثلاث، التي حُفظت لأكثر من قرن في متحف الإنسان بباريس، كانت شاهداً على جرح مفتوح في الذاكرة الجماعية لشعب مدغشقر. فقد طالبت عائلة الملك تويرا منذ 2003 باستعادة رفاته، دون جدوى، إلى أن تحققت الاستجابة بعد أكثر من 20 عاماً من الانتظار.
الرئيس الملغاشي أندري راجولينا كان قد جعل من هذه القضية إحدى أولوياته الانتخابية، مؤكداً أن استعادة الجماجم تمثل “لحظة حداد ضرورية ومصالحة مع التاريخ”.
مراسم رسمية ومغزى رمزي
أقيمت مراسم رسمية في وزارة الثقافة الفرنسية بحضور وزيرة الثقافة رشيدة داتي ونظيرتها الملغاشية فولاميرنتي دونا مارا، التي اعتبرت الحدث “حُلماً تحقق”، مؤكدة أن الجماجم ليست مجرد رفات، بل “رابط غير مرئي ولا يُمحى بين الماضي والحاضر”.
الجماجم ستُنقل إلى أنتاناناريفو يوم 31 أغسطس، قبل أن تُجرى لها طقوس تقليدية وتُدفن في موقع “أمبيكي”، حيث قُتل الملك وجنوده.
نحو سياسة “تهدئة الذاكرة”
الخطوة تندرج ضمن ديناميكية أوسع يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاعتراف بجرائم الماضي الاستعماري وإرساء سياسة “تهدئة الذاكرة”. فبعد إعادة قطع فنية إلى بنين والسنغال، وتقديم رفات 24 مقاوماً إلى الجزائر عام 2020، تأتي إعادة جماجم مدغشقر لتعكس بعداً أعمق وأكثر حساسية.
لكن هذه المبادرة قد تفتح الباب أمام مطالب جديدة، إذ تنتظر دول مثل أستراليا والأرجنتين والجزائر استرجاع رفات أخرى لا تزال محفوظة في المتاحف الفرنسية.
جرح اندمل.. وآخرون بانتظار
برأي مؤرخين، تمثل إعادة جماجم الساكالافا “انتصاراً رمزياً” لمدغشقر، لكنها أيضاً اختباراً لفرنسا في مدى استعدادها للمضي قدماً في مواجهة إرثها الاستعماري. فكما قال أحد الباحثين: “إعادة الرفات ليست خسارة، بل استعادة للكرامة وتعويض معنوي”.
وبإغلاق جرح عمره 128 عاماً في مدغشقر، تُطرح تساؤلات جديدة: هل ستواصل فرنسا هذا المسار مع باقي الدول؟ وهل تكفي هذه المبادرات الرمزية لتضميد ذاكرة استعمارية لا تزال تؤرق العلاقات الفرنسية الإفريقية؟
