مقامرة نتنياهو الأخيرة في غزة: الضم مقابل بقاء الائتلاف

في خطوة وُصفت بالمقامرة السياسية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه ضم أجزاء من قطاع غزة تدريجياً، إذا لم توافق حركة حماس على اتفاق لوقف إطلاق النار خلال أيام. القرار يأتي وسط أزمة سياسية حادة داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي فقد أغلبيته بعد انسحاب الأحزاب الدينية الحريدية، ما جعله يتراجع إلى 50 مقعدًا فقط في الكنيست.

تهديد أم خطوة فعلية؟

نتنياهو عرض خطته على “الكابينت” (المجلس الوزاري المصغر) يوم الإثنين 28 يوليو/تموز، متوعدًا ببدء ضم المناطق العازلة شمال غزة ثم التوسع لاحقًا. وبحسب مصادر إسرائيلية، تم عرض الخطة على وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ولاقت دعمًا من إدارة البيت الأبيض، رغم غياب الرئيس دونالد ترامب عن الاجتماع بسبب زيارته لأسكتلندا.

صحيفة “هآرتس” وصفت خطة الضم بأنها محاولة لاسترضاء وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي هدد بالانسحاب من الحكومة بسبب استمرار إدخال المساعدات لغزة. ووفق محللين، فإن نتنياهو يستخدم الضم كورقة مساومة للبقاء السياسي، وليس كخطة أمنية فعلية.

ابتزاز سياسي بغطاء أمني

الكاتب وسام عفيفة يرى أن ما يجري ليس أكثر من “ورقة مقامرة”، الهدف منها امتصاص غضب شركاء نتنياهو اليمينيين، في ظل الفشل الواضح في تحقيق أي إنجاز عسكري ملموس على الأرض. أما الباحث فراس ياغي، فيؤكد أن الخطوة تعكس تنسيقاً ضمنياً مع واشنطن، ضمن رؤية إقليمية أوسع لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في المنطقة.

تحول في المواقف داخل الائتلاف

سموتريتش، الذي طالب مرارًا بوقف إدخال المساعدات لـغزة “ما لم يُحسم الموقف عسكريًا”، أبلغ نتنياهو أنه سيحكم على “الأفعال لا الأقوال”، وقد يبقى مؤقتًا في الحكومة إذا بدأ تنفيذ خطة الضم. في المقابل، دعا وزير التراث عميحاي إلياهو إلى “احتلال كامل لغزة”، في خطوة أثارت موجة استنكار داخل إسرائيل، خصوصًا من عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس.

صراع على الأرض… لا على حماس

التحول الواضح في خطاب الحكومة الإسرائيلية من “تدمير حماس” إلى “ضم أراضٍ من غزة” يكشف عن أولوية السيطرة الجغرافية على الأهداف العسكرية. ويشير المراقبون إلى أن الحرب تحولت من معركة ضد حماس إلى محاولة لتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للقطاع، وسط دمار ومجاعة واقتربت الحرب من عامها الثاني.

ردود قانونية ودولية

قانونيًا، يعتبر أي إعلان ضم من قبل إسرائيل لغزة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. رغم انسحابها من القطاع في 2005، تفرض إسرائيل سيطرة شاملة على حدوده ومجاله الجوي والبحري، ما يجعله أرضًا محتلة. أي محاولة ضم، سواء رمزية أو رسمية، ستزيد من العزلة الدولية لتل أبيب.

وقد حذر المراسل السياسي للقناة 12 العبرية عميت سيجال من تبعات الضم القانونية، مشيرًا إلى أن التراجع عن خطوة كهذه يتطلب موافقة 80 عضو كنيست أو استفتاء شعبي – وهو أمر غير مسبوق في إسرائيل.

في ظل الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين

تأتي خطة الضم في وقت حساس سياسيًا، إذ أعلنت 9 دول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، بينما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميًا عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. بريطانيا كذلك أعلنت أنها ستتخذ الخطوة نفسها ما لم تغير إسرائيل “الوضع المروع في غزة”.

خاتمة: حافة الانهيار أم بداية تحوّل؟

بين القانون والواقع، يبدو أن نتنياهو يراهن على بقاءه السياسي حتى لو كلّف ذلك حربًا دبلوماسية جديدة مع المجتمع الدولي. لكن بحسب مراقبين، فإن أية خطوة ضم حقيقية قد تُسرّع من عزلة إسرائيل وتهدد استقرار الائتلاف من الداخل، ما لم تتراجع الحكومة وتبدأ مفاوضات جدية تفضي إلى حل شامل.

Exit mobile version