شأن تربوي بقلم.الصحفي منير قوعيش
مع إشراقة صباح جديد، تستعد أمهات كثيرات لاصطحاب صغارهن نحو أول تجربة تعليمية في حياتهم: اليوم الأول في الروضة.
هو يوم يحمل الكثير من المشاعر المتناقضة؛ مزيج من الفخر والفرح، يقابله في الغالب قلق ودموع تسيل على وجنات صغيرة لم تعرف بعد كيف تعبّر بالكلمات.
تبدأ القصة منذ لحظة الفراق يد صغيرة تتشبث بأمها بقوة، وعينان تترجّيان البقاء. عندها تتساءل الأم: هل يعني هذا أن طفلي غير مستعد؟ هل ارتكبت خطأ في إرساله مبكرًا؟
لكن الحقيقة أن هذه الدموع ليست رفضًا، بل لغة أخرى… لغة الطفولة التي تعبّر عن الخوف من الجديد، وعن الحنين إلى الحضن الذي اعتادت عليه.
بين قلب الأم ويد المربية
إلى كل أم لا تجزعي من دموع صغيركِ. إنها مؤقتة وستزول مع الأيام، لتفسح المجال أمام ابتسامات وصداقات ومهارات جديدة. دوركِ هو أن تمنحيه طمأنينة إضافية عند لحظة الوداع: قبلة على جبينه، كلمة مشجعة، وابتسامة واثقة تخبره أن كل شيء سيكون بخير. كلما رأى فيكِ هذا الاطمئنان، ازداد استعداده للتأقلم مع عالمه الجديد.
أما المربية، فهي اليد الثانية التي ستمسك بطفل ما زال متردّدًا. دورها لا يقتصر على التعليم والأنشطة، بل على الاحتضان النفسي قبل كل شيء.
اقتربي من الطفل برفق، اجلسي إلى جانبه، دعيه يشعر أنكِ وجهٌ صادق قادر على أن يمدّه بالأمان. لا تتعجلي في إسكات بكائه، فالصبر هنا مفتاح العلاقة. نجاحكِ يُقاس بقدر ما تغرسينه في قلبه من ثقة وانتماء، أكثر مما يُقاس بالتمارين والأغاني.
بداية وليست عائقًا
بكاء الطفل في يومه الأول ليس عائقًا في طريقه، بل هو البداية الحقيقية:
بداية لبناء شخصيته واستقلاليته.
بداية لشعوره بالانتماء إلى جماعة جديدة.
وما أجمل أن تكون الأم والمربية شريكتين في هذه الرحلة: الأم تُهيّئ وتطمئن، والمربية تحتوي وترافق. هكذا تتحوّل الدموع من لحظة صعبة إلى جسرٍ نحو النمو والتطور.
في النهاية، سيعود الطفل إلى منزله بعد يومه الأول وقد هدأت دموعه، وربما يحكي بخجل عن لعبة جديدة أو أغنية سمعها. ومع مرور الأيام، ستصبح خطواته إلى الروضة أكثر ثباتًا وابتسامته عند الباب أكثر إشراقًا.
تلك الدموع الأولى لم تكن إلا إعلانًا صادقًا: “أنا أبدأ فصلاً جديدًا في حياتي.”