على وقع قصف لا يتوقف ضد قطاع غزة؛ يؤرق ما يسمى “اليريداه” أو “الهجرة المعاكسة” في الرؤية الصهيونية، قلق الكيان المحتل، في ضوء معطيات حديثة تشير إلى “هجرة” مضادة منه لزهاء مليون يهودي، منذ 7 أكتوبر الماضي، إزاء اضطراب الأمن بفعل المقاومة الفلسطينية وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو رقم صادم وغير مسبوق في تاريخه المصطنع.
وبينما يرتكب الاحتلال المزيد من مجازره الوحشية المخلفة لعشرات الضحايا المدنيين في غزة، فإن النزيف الديموغرافي للكيان المحتل يشكل مصدر قلق بالغ لساسته، نظير تسارع وتيرته، إحالة إلى معطياته الرسمية التي تفيد بقفز العدد من قرابة نصف مليون صهيوني، بالأسابيع الأولى من العدوان، إلى نحو المليون، مقابل تراجع نسبة القادمين إليه بنحو 70 %، بما يعكس خللا عميقا داخل كيان صهيوني يعتمد على هجرة التوطين.
وبالتزامن مع حرب الإبادة الجماعية بغزة الذي اقترب من شهره الثالث ؛ تقف المؤسسة السياسية والأمنية الصهيونية عاجزة أمام ما تسميه “الارتداد” أو “النكوص”، وهي ألفاظ تحمل دلالة دينية لوصف نزوح اليهودي من الكيان المحتل بمثابة خيانة للمبادئ الصهيونية وخروجا على نصوص التوراة والتلمود، غير أنها لا تجد الحوافز الاقتصادية الكافية لإغراء المستوطنين اليهود بالبقاء أو “العودة” بعد “الخروج”، في ظل استنزاف العدوان للاقتصاد بشكل غير مسبوق.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من القطاع، فإنه أضحى اليوم في عهد رئيس حكومة الحرب، “بنيامين نتنياهو”، يواجه تهديدا وجوديا لكيانه المحتل، بعدما تسبب مأزق جيشه “الإستراتيجي” و”التكتيكي” بغزة في فتح أبواب “الهجرة العكسية” الواسعة منه، والتي سبق وأن ربطها مؤسسه “ديفيد بن غوريون” بأساس وجوده المهتز.
فطبقا لمعطيات ما يسمى سلطة السكان والهجرة في الكيان المحتل، نقلا عن صحيفة “زمان إسرائيل”، فإنه منذ بداية عدوان الاحتلال على غزة حتى نهاية نوفمبر الماضي، غادر حوالي 370 ألف إلى نصف مليون صهيوني، يضاف إليهم حوالي 600 ألفا سافروا إلى الخارج خلال العطلات وبقوا هناك حتى 7 أكتوبر ولم يعودوا حتى الآن، ما يفوق 1.1 مليون، وهي أرقام ضخمة وبفترة محدودة في كيان لا يتجاوز عدد سكانه اليهود 7.145 ملايين نسمة، وفق دائرة الإحصاء المركزية الصهيونية.
وتشكل ظاهرة “الهروب من الخدمة العسكرية” إشكالية كبرى بالنسبة للكيان المحتل؛ فمن بين الفئات التي سافرت للخارج ورفضت العودة؛ شباب تم استدعاؤهم للتجنيد والمشاركة في حرب غزة لكنهم تخلفوا وتواجههم عقوبات، خاصة في ظل ارتفاع معدل التخلف عن التجنيد.
ويزيد من ذلك مئات المستوطنين النازحين من المستوطنات المحاذية للحدود مع قطاع غزة، والذين يخشون من العودة إليها ما لم تتوفر لهم “ضمانات أمنية” بعد انتهاء العدوان، وإلا فإن جزءا غير قليل منهم سيهجرون كيانهم الصهيوني نحو دول أخرى أكثر أمانا.
وفي الأثناء؛ يواصل الاحتلال ارتكاب مجازره الوحشية ضد قطاع غزة؛ حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة عدد آخر في قصف كثيف استهدف مستشفى الشفاء في غزة، وذلك كجزء من عدوان الاحتلال الوحشي وحملته الهمجية على مستشفيات القطاع والمراكز الصحية الذي أدى لإخراج معظمها عن الخدمة، بعد اقتحام مستشفى “العودة” عقب أيام من الحصار والقصف.
وشنت طائرات الاحتلال غارات عنيفة على المناطق الشمالية لمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، بينما استهدف قصف مدفعي كثيف كافة مناطق المدينة، ما أسفر عن استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين، فيما هزت انفجارات عنيفة أجواء المنطقة الوسطى لقطاع غزة.
وارتقى أكثر من 150 شهيدا في مجازر الاحتلال بجباليا، شمالا، أغلبهم من النساء والأطفال، بعد أقل من 24 ساعة على استشهاد أكثر من 30 فلسطينيا وإصابة العشرات في استهداف مربع سكني فيه، أسوة باستهداف مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، وقصف منزل سكني لعائلة فلسطينية، مما أدى لاستشهاد 24 فلسطينيا وإصابة العشرات.
وأدت غارة جوية عدوانية على منزل سكني آخر في رفح، جنوب القطاع، إلى استشهاد ما لا يقل عن 4 فلسطينيين، و12 آخرين في قصف بناء سكني بدير البلح، وسط القطاع، بينما ما يزال عدد كبير تحت الأنقاض ويصعب انتشالهم بسبب كثافة النيران الاحتلالية.
بينما يستمر عدوان الاحتلال ضد الضفة الغربية، بارتفاع عدد شهداء اقتحام الاحتلال لمخيم الفارعة، جنوب مدينة طوباس، لأربعة في العملية العسكرية المستمرة.
واقتحمت عشرات آليات الاحتلال المخيم، أمس، وأغلقت الشارع الرئيس الواصل بين مدينتي نابلس وطوباس، والمار قرب مدخل مخيم الفارعة، بالضفة الغربية، وشرعت بإطلاق النار صوب الفلسطينيين في المخيم ما أدى لاستشهاد أربعة منهم وجرح آخرين.