وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الثلاثاء، طلب أوكرانيا من الغرب استخدام صواريخ طويلة المدى لضرب العمق الروسي من أجل إجبار بلاده على التفاوض بأنه “ابتزاز”، و”لعب بالنار”.
ورداً على سؤال لـ”الشرق” خلال مؤتمر صحافي في موسكو، بشأن تقرير عن طلب كييف استخدام صواريخ “ستورم شادو” في عمق روسيا لإجبارها على التفاوض، قال لافروف إن “هذا ابتزاز، ومحاولة للتظاهر بأن الغرب يرغب في تجنب التصعيد المفرط، وهذا في الحقيقة خداع”، متهماً الغرب بأنه “لا يريد تجنب التصعيد”، بل “يسعى لمصيبة تطاله، ويبدو لي أن هذا بات واضحاً للجميع”.
واستشهد الوزير الروسي بتصريحات سابقة لمنسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي التي قال فيها إن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يريد أن يكون مسؤولاً عن بدء حرب عالمية ثالثة من خلال دعم واشنطن لكييف، باعتبار أن أوروبا ستتضرر من هذه الحرب.
“الأميركيون يعتقدون أنهم بمأمن”
وقال لافروف إن الأميركيين يعتقدون بأن “الحرب العالمية ستمس بأوروبا حصراً”، معتبراً أن هذا دليل “يعكس عقلية المخططين والجيوستراتيجيين الأميركيين، المقتنعين بأنهم بمأمن”.
ووصف التفكير الأميركي بأنه “عقلية السيد المهيمن أو حاكم العالم، الذي يجلس على الطرف الآخر من المحيط وهو متأكد من وضعه الآمن، وأن غيره سيقوم بالأعمال القذرة، وقتل ليس فقط الأوكرانيين، بل الأوروبيين أيضاً”.
ولفت لافروف إلى ما وصفها بالعقيدة الروسية “بما في ذلك عقيدة استخدام الأسلحة النووية، التي يجري حالياً إعادة النظر فيها، وهي عقيدة يعلم بشأنها الأميركيون جيداً”، على حد وصفه.
وتابع لافروف حديثه قائلاً: “نسمع هذه تكهنات منذ فترة طويلة بشأن السماح باستخدام صواريخ ستورم شادو، وأيضاً الصواريخ الأميركية بعيدة المدى، بالمناسبة، قال مصدر مجهول في واشنطن إن مثل هذا العمل جار، ويتم النظر في طلب أوكرانيا بطريقة إيجابية بشكل عام”.
ولفت لافروف إلى حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن هذه القضية، وقال: “نؤكد مجدداً أن اللعب بالنار أمر خطير للغاية بالنسبة للرجال والنساء الكبار الذين يُعهد إليهم حيازة الأسلحة النووية في الدول الغربية”، معتبراً أنهم “مثل الأطفال الصغار الذين يلعبون بالشموع”.
“ورقة ضغط”
وتسعى أوكرانيا منذ فترة طويلة للحصول على إذن من الغرب، وبشكل خاص الولايات المتحدة، لاستخدام صواريخ “ستورم شادو” لتدمير أهداف في عمق روسيا، إذ ترى أن هذا قد يجبر موسكو على التفاوض لإنهاء الحرب، وفق صحيفة “الجارديان“.
واقترح كبار الشخصيات الأمنية والعسكرية في كييف أن استخدام هذه الأسلحة في “هجوم استعراضي” من شأنه أن يُظهِر للكرملين أن المواقع العسكرية القريبة من العاصمة نفسها قد تكون عُرضة لضربات مباشرة.
ووفقاً لمسؤول أوكراني كبير، فإن روسيا لن تفكر في التفاوض إلا إذا كانت تعتقد أن أوكرانيا لديها القدرة على “تهديد موسكو وسان بطرسبرج”. ومع ذلك، فإن هذه استراتيجية عالية المخاطر، ولا تحظى حتى الآن بدعم الولايات المتحدة.
وتم تطوير صواريخ “ستورم شادو” في المقام الأول من خلال تعاون بين بريطانيا وفرنسا، ويتم تصنيعها بواسطة مشروع أوروبي مشترك MBDA، والذي لديه أيضاً شريك إيطالي، ولكن لأن بعض مكوناته يتم توفيرها من قِبَل الولايات المتحدة، يتعين على البيت الأبيض أيضاً الموافقة على استخدامه داخل روسيا.
وقد رفض البيت الأبيض حتى الآن القيام بذلك، تحسباً لتصعيد الصراع.
“حرب عالمية ثالثة”
وكان مسؤول المهمات الخاصة في وزارة الخارجية الروسية روديون ميروشنيك، قال لـ”الشرق”، الاثنين، إن استخدام أسلحة مثل صواريخ “ستورم شادو” بعيدة المدى، تكمن في أن إحداثيات الضربات تسجلها الدولة المصنعة، وفي هذه الحالة بريطانيا.
وأضاف ميروشنيك: “لذلك فالتخطيط لمثل هذه الضربات قد يكون مرتبطاً بشكل مباشر مع بريطانيا،. ومسألة انخراطها تصبح واضحة، واتخاذ قرار مثل هذا سيقع على عاتق لندن، لكن هناك أمثلة سابقة لاستخدام صواريخ من هذا النوع”، مستشهداً باستهداف البنية التحتية المدنية في لوغانسك، ومقاطعة خيرسون، وشبه جزيرة القرم.
وتابع: “هذا يعني أن أوكرانيا تستخدم هذه الأسلحة لنشر الذعر واستهداف المنشآت المدنية، لأنهم بشكل عام لا يمكنهم استهداف الجنود لأسباب عسكرية معينة، لكنهم يستخدموها خلافاً للقانون الدولي”.
ولفت إلى أنه في هذا السياق، هذه الخطوة تُعد “غير مقبولة من قِبَل بريطانيا”، التي من الممكن أن ينعكس هذا الأمر بشكل سلبي عليها.
من جانبه، وصف رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، ليونيد سلوتسكي، لـ”الشرق”، الخطوة بأنها “انسياق نحو حرب عالمية ثالثة”.
وأضاف سلوتسكي: “مع جميع الإمكانات المدمرة للغرب تجاه روسيا بخصوص الأزمة الأوكرانية، لا أعتقد أن الدول الغربية ستعطي الضوء الأخضر. أما بالنسبة للمفاوضات، فنحن كنا على استعداد لها منذ عام 2022، إذ شاركت فيها شخصياً كجزء من الوفد الروسي، لكننا نتذكر أنها كانت كذبة والجانب الأوكراني والغرب استخدموها كوسيلة لاستغلال الوقت فقط”.
وتابع: “ومن أحد الأمور التي تُعقّد المفاوضات تقريباً، عدم وجود ممثلين شرعيين في كييف باستثناء البرلمان الأوكراني بعد انتهاء شرعية فولوديمير زيلينسكي كرئيس وانتهاء صلاحيته، إضافة إلى ذلك، عن أي مفاوضات يمكن الحديث بعدما غزت أوكرانيا مقاطعة كورسك”.
ما هو صاروخ ستورم شادو؟
وقال إنه لا يجب دفْع بلاده للمفاوضات، بل ينبغي إظهار سعي الأوكرانيين نحوها، مشيراً إلى أن موسكو تتفوق على كييف عندما يتعلق الأمر بحماية المدنيين والتصرف بحيادية في المجال الإنساني.
وأوضح أن حض موسكو على المفاوضات عبر استهداف العاصمة موسكو ومدينة سان بطرسبرج “لا يُعتبر خطوة نحو المفاوضات، بل نحو الحرب. الجميع يفهم هذا الأمر بما في ذلك أوروبا. الخطوات المجنونة والطائشة لكييف من الممكن أن يفهمها أي شخص عاقل والغرب بشكل سلبي”.
ووفقاً لمسؤول حكومي كبير، فإن روسيا لن تفكر في التفاوض إلا إذا كانت تعتقد أن أوكرانيا لديها القدرة على “تهديد موسكو وسان بطرسبرج”. ومع ذلك، فإن هذه استراتيجية عالية المخاطر، ولا تحظى حتى الآن بدعم الولايات المتحدة.
مساع أوكرانية
وكانت أوكرانيا تضغط منذ أشهر للسماح لها باستخدام صواريخ “ستورم شادو” ضد أهداف داخل روسيا، ولكن دون نجاح. ومع ذلك، وبينما يكافح جيشها على الجبهة الشرقية، هناك اعتقاد متزايد بأن أفضل أمل لها يكمن في الهجوم المضاد.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، شنت أوكرانيا توغلاً مفاجئاً في مقاطعة كورسك، وتزعم الآن السيطرة على 1250 كيلومتراً مربعاً (483 ميلاً مربعاً) من الأراضي الروسية، على الرغم من تباطؤ وتيرة تقدمها الأسبوع الماضي.
وفي الوقت نفسه، كانت قوات كييف تفقد الأرض بالقرب من بوكروفسك في دونباس، حيث أصبحت القوات الروسية الآن على بُعد 7 أميال من المدينة، وهي مركز رئيسي للطرق والسكك الحديدية.
وتشير “الجارديان” إلى أن أوكرانيا حصلت على النسخة التصديرية من ستورم شادو، (المعروفة باسم Scalp في فرنسا) من لندن وباريس.
ويبلغ مدى هذه الصواريخ نحو 190 ميلاً، على الرغم من أن كل من بريطانيا وفرنسا لديهما نسخ محلية بمدى ضعف ذلك.
وتقع موسكو على بُعد نحو 300 ميل من الحدود الشمالية لأوكرانيا.
عن الشرق