دولي

الاختفاء القسري في سوريا: رحلة البحث عن الأحبة بين الألم والأمل


بعد أكثر من عقد على اندلاع الأزمة السورية، لا تزال قضية المفقودين في السجون واحدة من أشد الجراح إيلاماً في المجتمع السوري. آلاف العائلات تمضي أيامها بين البحث المضني عن أحبائها والخوف من مواجهة الحقيقة الموجعة.

وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، فإن أكثر من 113,218 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، لا يزالون قيد الاختفاء القسري منذ عام 2011 وحتى أغسطس 2024. هؤلاء يمثلون قصصاً إنسانية تدمي القلوب، حيث تتقاطع فيها المأساة مع بارقة أمل يرفض أن يخبو في قلوب الأهالي.


حكايات الألم: “لا في عالم الأحياء ولا الأموات”

في حي الزهور جنوب دمشق، تجلس أم خالد جمعة (65 عاماً)، تترقب عودة ابنها خالد الذي غادر منزله في سبتمبر 2013 بعد استدعاء أمني، ولم يُسمع عنه شيء منذ ذلك الحين.

تقول الأم التي أرهقها الحزن والمرض:
“لم أترك باباً إلا وطرقته… الشرطة، المحاكم، وسجن صيدنايا. دفعت رشاوى لضباط أملاً بمعرفة مصيره، لكن لا شيء. لا أعرف هل هو حي أم ميت. أتمنى فقط أن أحصل على إجابة تشفي قلبي.”

رحلة البحث عن المفقودين قادت الكثير من الأهالي إلى المشرحة المركزية بدمشق، حيث واجهوا مشاهد مروعة لجثث مشوهة، مما زاد من معاناتهم بدلاً من منحهم الأجوبة.


“إذا كان ميتاً فأريد جثته، وإذا كان حياً فليعد”

من جهتها، تصف شادية يحيى أبو الرأس (60 عاماً) أملها في رؤية ابنها محمد أمير زليخة، المختفي منذ عام 2013، قائلة:
“أذهب كل أسبوع إلى ساحة الأمويين للمشاركة في الوقفات الاحتجاجية، حاملةً صورة ابني. أطلب من السلطات الجديدة التحقيق وكشف مصيره. إذا كان ميتاً، أريد دفنه بكرامة. وإذا كان حياً، أريد فقط أن يعود”.

عائلتها، التي استنزفت مدخراتها في دفع أموال لضباط النظام بحثاً عن إجابات، لم تحصل على شيء سوى الوعود الكاذبة. وفي الوقت نفسه، يعيش أبناؤها الصغار حيرة مؤلمة، حيث يسألون يومياً عن والدهم المفقود.


بين الألم والغضب: مطالب العائلات

في كل يوم جمعة، تلتقي مئات العائلات في ساحة الأمويين وسط دمشق، للمطالبة بفتح تحقيقات عاجلة. يرفع الأهالي صور المفقودين، بينما تملأ قلوبهم مشاعر متضاربة.

تقول أم خالد:
“نريد أن يحاكم من عذب أولادنا بنفس الطريقة التي عذبوهم بها. هذا أقل ما يمكن تحقيقه لرد حقوقنا. لسنا ضد المحاكمات العادلة، لكن العدالة بطيئة، وأوجاعنا لا تنتظر.”


هل يمكن للأمل أن ينتصر؟

مع سقوط نظام بشار الأسد وفتح السجون الكبرى كسجن صيدنايا، بدأت تظهر بعض الإجابات، لكن الرحلة نحو الحقيقة ما زالت طويلة. العائلات تطالب بتدخل دولي وضغط منظمات حقوق الإنسان لدعم التحقيقات وكشف مصير أبنائهم.

بالرغم من الألم، ترفض الكثير من الأمهات فقدان الأمل، كما تقول شادية أبو الرأس:
“لا أستطيع أن أعيش فكرة أن ابني مات. ربما سيعود يوماً. الأمل هو الشيء الوحيد الذي يبقيني على قيد الحياة.”


خاتمة:
قضية المفقودين في السجون السورية ليست مجرد أزمة إنسانية؛ إنها جرح مفتوح في قلب المجتمع السوري. وبينما تنتظر العائلات إجابات شافية، يظل العالم مطالباً بمزيد من الجهد لإنصاف هؤلاء الضحايا وضمان عدم تكرار هذه المأساة في المستقبل.ش ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى