
في مسعى لتسوية الوضع في غزة بعد الحرب الدامية التي نشبت في أكتوبر 2023، كشفت مسودة الخطة المصرية التي اطلعت عليها وكالة رويترز عن نية القاهرة تبني رؤية جديدة لمستقبل القطاع، في إطار مواجهة المقترح الأمريكي المثير للجدل الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتهجير سكان غزة.
تتضمن الخطة المصرية استراتيجية تهميش حركة حماس التي تسيطر على غزة منذ عام 2007، لتستبدلها هيئات مؤقتة تحت إشراف دول عربية وإسلامية وغربية. الهدف من هذه الخطة هو توفير إدارة جديدة للقطاع بعيدًا عن السيطرة الحالية لحركة حماس، التي تعتبرها القاهرة والدول الخليجية تهديدًا وجوديًا للأمن الإقليمي. إلا أن الخطة لا تقدم حلولًا شاملة للعديد من القضايا الأساسية مثل تمويل إعادة الإعمار وتحديد كيفية حكم القطاع على المدى البعيد.
غياب الحلول الشاملة
رغم أن الخطة تتطرق إلى فكرة تشكيل “بعثة مساعدة على الحكم” خلفًا لحكومة حماس، فإنها لا تحدد التفاصيل الدقيقة حول كيفية تنفيذ هذا التحول، أو من سيدير هذه البعثة على أرض الواقع. كما تطرح مسألة تمويل إعادة إعمار غزة كأحد أكبر التحديات التي تواجه الخطة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكاليف إعادة إعمار القطاع قد تتجاوز 53 مليار دولار، دون أن يتم تحديد من سيتحمل هذه التكاليف، وما إذا كانت الدول العربية، خصوصًا الخليجية، ستلتزم بتقديم المساعدات اللازمة.
الموقف الدولي والعربي
في الوقت الذي تسعى فيه مصر إلى تحفيز الدعم الدولي لخطة إعادة الإعمار، تواجه تحديات سياسية تتمثل في تباين المواقف بين الدول العربية. فعلى الرغم من أن مصر والأردن ودول الخليج العربية تبذل جهودًا منسقة لمواجهة مقترح ترامب، لا تزال القضية الفلسطينية تمثل مصدرًا للخلافات بين الحكومات العربية. كما أن موقف حماس الذي يرفض أي تدخل خارجي في شؤون غزة يزيد من تعقيد الوضع. الحركة الإسلامية ترفض بشدة فرض حلول من قبل أطراف خارجية، وتؤكد أن مستقبل غزة يجب أن يُقرره الفلسطينيون وحدهم.
الدور المصري في إعادة ترتيب الوضع
الجانب الأبرز في الخطة هو أن مصر تسعى إلى لعب دور القيادة في تحديد مستقبل غزة، من خلال مقترح يركز على “بعثة مساعدة على الحكم” التي تتولى إعادة إعمار القطاع وتنظيم الحياة السياسية. غير أن بعض المصادر تشير إلى أن الخطة المصرية قد لا تحظى بتأييد شامل من جميع الأطراف العربية، وقد يواجه المصريون تحديات كبيرة في إقناع المجتمع الدولي بضرورة دعم هذا المقترح.
من الناحية الأمنية، تقترح الخطة تشكيل “قوة استقرار دولية” تضم دولًا عربية وأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وكذلك الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك لضمان توفير الأمن في القطاع. ولكن، يبقى السؤال المطروح: كيف سيتم التعامل مع القوة العسكرية لحركة حماس، في ظل تمسكها بخياراتها السياسية والعسكرية؟
التكلفة والتمويل
أحد العوامل المجهولة في الخطة هو من سيدفع تكلفة إعادة إعمار غزة. الدول الخليجية مثل السعودية وقطر والإمارات، التي تعد مصادر مهمة للتمويل في المنطقة، لم تقدم حتى الآن تعهدات مالية واضحة لدعم الخطة المصرية. الإمارات، على سبيل المثال، ترى أن حماس تشكل تهديدًا كبيرًا، ولذلك قد يكون من غير الممكن أن تقدم الدعم المالي في ظل استمرار هيمنة الحركة على غزة.
الختام: التحديات المستمرة
الخطة المصرية التي تهدف إلى وضع إطار جديد لمستقبل غزة بعد الحرب تمثل بداية لمحاولة لإيجاد حلول مستدامة للأزمة الفلسطينية في غزة. ومع ذلك، فإن المعضلة الكبيرة تكمن في مدى إمكانية تطبيق هذه الخطة في ظل الواقع المعقد الذي تشهده المنطقة، خصوصًا في ظل رفض حماس القاطع لأي حلول تفرض عليها من خارج الحدود الفلسطينية. ستظل قضية غزة معركة معقدة بين القوى الإقليمية والدولية، مع إصرار الفلسطينيين على تقرير مصيرهم بأنفسهم. ش ع