
غزة، 27 مايو 2025 – وسط الخراب الذي يعصف بقطاع غزة نتيجة الحرب المستمرة والحصار الإسرائيلي المستمر منذ قرابة 19 شهراً، تظهر على الساحة الإنسانية مؤسسة جديدة أثارت جدلاً واسعاً و”الكثير من الشكوك”، هي “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي تأسست في جنيف في فبراير 2025 بدعم من الولايات المتحدة، بهدف توزيع المساعدات الغذائية والإغاثية لسكان القطاع المنكوب.
خلفية المؤسسة وأهدافها
تقدم المؤسسة نفسها كجهة فاعلة إنسانية جديدة تسعى لتخفيف معاناة الملايين في غزة، عبر توزيع صناديق غذائية ومواد إغاثة في مواقع توصف بأنها “آمنة”. إلا أن هذه الخطوة تأتي في ظل بيئة سياسية وأمنية معقدة، إذ يخضع القطاع لحصار خانق وتوترات عسكرية مستمرة، ما يجعل عمل أي منظمة إنسانية تحدياً لوجستياً وأخلاقياً كبيراً.
جدل الانتقادات والاتهامات
رغم البدء في توزيع مساعداتها، واجهت مؤسسة غزة الإنسانية انتقادات حادة من قبل منظمات دولية وأطراف محلية. فقد أعلنت الأمم المتحدة سابقاً أن المؤسسة “غير محايدة وغير نزيهة”، ما دفعها لرفض التعاون معها. وانتقدت منظمات إنسانية أخرى مبدأ اختيار مواقع التوزيع، معتبرة أنه يجبر السكان على التنقل لمسافات طويلة في ظروف خطيرة، مما ينتهك الأعراف الإنسانية الدولية.
من جانبها، اتهمت حركة حماس المؤسسة بأنها “جزء من خطة إسرائيلية” للسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، متهمة إياها بالعمل كغطاء لأهداف عسكرية إسرائيلية تهدف إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية.
كما حذرت مؤسسات حقوقية من أن المساعدات التي توزعها المؤسسة قد تُستخدم كغطاء “لإخفاء استراتيجية عسكرية للسيطرة ونزع الملكية”، داعية إلى فتح تحقيقات رسمية حول أنشطة المؤسسة ومدى توافقها مع القوانين الدولية.
استقالة المدير التنفيذي وتعقيدات العمل
في تطور يعكس الصعوبات الداخلية، أعلن المدير التنفيذي السابق للمؤسسة، جيك وود، استقالته، معترفاً بعدم قدرة المنظمة على تحقيق مهمتها “بالالتزام بالمبادئ الإنسانية والحياد والاستقلالية”.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تؤكد المؤسسة استمرار عملياتها وتوسيع نطاق التوزيع، حيث أعلنت عن توزيع نحو 462 ألف وجبة غذائية حتى الثلاثاء، وسط حضور فلسطيني كثيف في مواقع التوزيع الواقعة في مناطق تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
تحديات أمام العمل الإنساني في غزة
تُعتبر مؤسسة غزة الإنسانية نموذجاً جديداً لتدخلات المساعدات في قطاع غزة، لكنها تبرز في سياق توتر متزايد بين الأطراف، وتحت أنظار مراقبين دوليين يشككون في حيادها، خاصة في ظل اتهامات إسرائيل لوكالات مثل الأونروا بالتواطؤ مع حماس، ورفض الأخيرة التعاون مع المؤسسة.
يبقى التحدي الأكبر هو كيف يمكن ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين دون أن تصبح أداة سياسية أو عسكرية، في ظل تعقيدات الأزمة المستمرة التي تجعل من كل خطوة إنسانية مواجهة مع شبكة معقدة من المصالح والأجندات.
في الختام، تعكس حالة مؤسسة غزة الإنسانية تعقيد المشهد الإنساني والسياسي في غزة، حيث تتداخل الحرب، السياسة، والمساعدات، في مشهد يصعب فيه التمييز بين العمل الإنساني النقي والمصالح المتشابكة، مما يضاعف معاناة السكان ويجعل من كل جهد إنساني تحدياً حقيقياً على الأرض. ش علي