دولي

العالم يختنق حرّاً: موجات حرارة غير مسبوقة تهدد المناخ والحياة البحرية

العالم يختنق حرّاً: موجات حرارة غير مسبوقة تهدد المناخ والحياة البحرية

في وقتٍ لم تعد فيه موجات الحرّ الاستثنائية حدثاً مفاجئاً، بل واقعاً متكرراً، يسجل العالم مستويات حرارة قياسية جديدة خلال شهر أيار/مايو، مما يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل المناخ والحياة على كوكب الأرض. فبحسب بيانات مرصد “كوبرنيكوس” الأوروبي، كان أيار/مايو 2025 ثاني أحرّ أيار يُسجّل على الإطلاق، خلف أيار/مايو 2024، مما يعكس استمرار الاحترار المناخي بوتيرة غير مسبوقة رغم التراجع المؤقت في درجة الاحترار العالمي إلى ما دون عتبة 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.

درجات حرارة مقلقة في الجو والبحر

بلغ متوسط الحرارة العالمي خلال الشهر المنصرم 15.79 درجة مئوية، بفارق بسيط عن رقم العام الماضي القياسي، بينما وصلت درجات حرارة المحيطات السطحية إلى 20.79 درجة مئوية، وهي من الأعلى المسجلة على الإطلاق. وتركّزت هذه الارتفاعات الحرارية خصوصاً في شمال شرق المحيط الأطلسي وشواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث شهدت مناطق واسعة “موجات حر بحرية” غير مسبوقة.

الكوكب في وضع هش… والبحار تدفع الثمن

تحذر الأوساط العلمية من أن موجات الحر البحرية لا تهدد فقط الحياة تحت سطح الماء، بل تؤدي إلى تداعيات بيئية أوسع مثل نفوق جماعي للكائنات البحرية، وهجرة الأنواع، وتعطل النظم البيئية، وتقليص قدرة المحيطات على تنظيم المغذيات. ويشكل هذا الأمر مصدر قلق كبير في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات المنعقد حاليًا في نيس، حيث يناقش المشاركون كيفية إنقاذ هذه الأنظمة البيئية الحيوية.

وتعتبر المحيطات، التي تغطي نحو 70% من سطح الكوكب، منظمًا رئيسيًا للمناخ، وارتفاع حرارتها يسهم في زيادة قوة الأعاصير والعواصف، وبالتالي ارتفاع معدلات الدمار والفيضانات حول العالم.

أوروبا بين الجفاف والحرّ

في القارة الأوروبية، كشفت بيانات “كوبرنيكوس” عن تفاوت شديد في معدلات هطول الأمطار خلال الربيع، ما أدى إلى مستويات جفاف غير مسبوقة منذ عام 1979 في عدد من الدول مثل الدنمارك وهولندا، مع تداعيات مباشرة على الزراعة وإمدادات المياه. في المملكة المتحدة، كُسرت أرقام قياسية في درجات الحرارة، مما يعكس أن القارة ليست في منأى عن الأزمة المناخية العالمية.

الإنذار الأحمر: 21 شهرًا فوق عتبة 1.5 درجة

يقول كارلو بونتمبو، مدير خدمة التغير المناخي في مرصد “كوبرنيكوس”، إن أيار/مايو 2025 جاء ليكسر سلسلة من 21 شهرًا تجاوزت فيها درجات الحرارة العتبة الحرجة البالغة 1.5 درجة مئوية. وعلى الرغم من أن التراجع الطفيف في درجة الاحترار قد يمنح الكوكب “فترة راحة قصيرة”، إلا أن المؤشرات توحي بأن ارتفاع الحرارة سيستأنف مجددًا، نظراً إلى استمرار الانبعاثات واحتباس الغازات الدفيئة.

العلماء يدقون ناقوس الخطر

خلال الاثني عشر شهراً الماضية، بلغ متوسط الاحترار العالمي 1.57 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وهو رقم يتجاوز الهدف الذي وضعه اتفاق باريس لعام 2015. لكن الاتفاق يأخذ بالحسبان متوسطًا طويل الأجل (20 عامًا)، ما يعني أن الوضع الحالي قد يكون مؤشرًا على ما هو قادم، لا استثناءً عارضًا.

ويحذر العلماء من أن تجاوز عتبة 1.5 درجة بشكل دائم سيؤدي إلى مضاعفة الكوارث المناخية، مثل اشتداد موجات الحر، وفقدان الحياة البحرية، وزيادة الفيضانات وحرائق الغابات، ما لم يتم التحرك العاجل نحو خفض الانبعاثات والحد من استخدام الوقود الأحفوري.


العالم يواجه اختبار البقاء
كل جزء من الدرجة يهم، وكل شهر ساخن يحمل رسالة واحدة: الوقت ينفد. وبينما يجتمع قادة العالم لمناقشة مستقبل المحيطات والمناخ، لا تزال القرارات السياسية بعيدة عن مجاراة خطورة الأرقام التي تسجلها الأرض والبحار. فهل يستفيق العالم قبل أن تتجاوز الحرارة حدود الرجوع؟   ش علي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى