
في لحظةٍ فارقة من تاريخ جنوب آسيا، نجحت ثورة شعبية، اندلعت شرارتها تضامناً مع غزة، في إسقاط أحد أكثر الأنظمة استبداداً في تاريخ بنغلاديش الحديث. وبعد فرار رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة من البلاد، تشهد بنغلاديش اليوم تحوّلاً جذرياً بقيادة حكومة انتقالية يقودها الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل محمد يونس.
غزة.. الشرارة الأولى
لم تكن المظاهرات التي اجتاحت الجامعات والشوارع البنغالية في خريف 2023 سوى احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. غير أن مشاهد القصف ودماء الأطفال هناك سرعان ما تحولت إلى مرآة للواقع المحلي، حيث قمع الشرطة وانتهاك الحقوق والحريات. ومع تصاعد الغضب الشعبي، تبدلت شعارات المتظاهرين من “الحرية لغزة” إلى “الحرية لبنغلاديش”، ليتحول التضامن إلى ثورة.
سقوط حسينة وصعود يونس
في أغسطس/آب 2024، وبعد مقتل أكثر من 1000 متظاهر خلال قمع عنيف للاحتجاجات، فرّت الشيخة حسينة من البلاد، منهية عقدين من الحكم الحديدي. وسرعان ما تسلم محمد يونس مقاليد الأمور، قادماً من منفاه الأوروبي، لا بصفته اقتصادياً فقط، بل باعتباره رمزاً أخلاقياً للعدالة الاجتماعية.
انفتاح سياسي.. وعودة الإسلاميين
منذ توليه الحكم، أفرج يونس عن آلاف المعتقلين السياسيين وأعاد فتح المجال العام، ما سمح بعودة قوى سياسية ودينية كانت محظورة. وشهدت شوارع دكا تظاهرات ضخمة، ليس فقط لدعم غزة، بل أيضاً للمطالبة بإصلاحات اجتماعية وتعليمية وثقافية مستمدة من المرجعية الإسلامية.
وفي خطوة مثيرة للجدل، أعادت الحكومة الانتقالية طباعة عبارة “صالح لجميع البلدان ما عدا إسرائيل” على جوازات السفر البنغالية، بعد أن ألغتها حكومة حسينة السابقة، في رسالة سياسية تعبّر عن التوجه الخارجي الجديد للدولة.
السياسة الخارجية: تقارب مع بكين وإسلام آباد.. وتوتر مع نيودلهي
أعادت حكومة يونس رسم سياسة البلاد الخارجية. ففيما توترت العلاقات مع الهند – التي يُنظر إليها داخلياً كحليف لحسينة – شهدت العلاقات مع باكستان تحسناً لافتاً. أما الصين، فقد أصبحت الحليف الأبرز، إذ وقّع يونس اتفاقيات استثمارية واقتصادية ضخمة معها، وعرض عليها تحويل بنغلاديش إلى بوابة نفوذ في جنوب آسيا.
الانتقال الديمقراطي.. بين الطموح والعقبات
رغم إشادة واسعة بدوره الإصلاحي، يواجه يونس انتقادات متزايدة. فهناك انقسام داخلي بين من يدعون إلى إصلاحات دستورية عميقة قبل الانتخابات، ومن يطالبون بإجرائها فوراً. كما أن تقارير حقوقية تحدّثت عن تردد أجهزة الشرطة في فرض النظام، وانتشار العصابات، ما يشكل تحدياً أمنياً حقيقياً للحكومة.
اقتصاد هشّ رغم الخبرة النوبلية
ورغم خلفيته الاقتصادية، يعاني الاقتصاد البنغالي من تباطؤ ملحوظ. فالبنك الدولي خفّض توقعات النمو إلى 3.3%، وهو أبطأ معدل منذ أكثر من ثلاثة عقود، بسبب التوتر السياسي وغياب الاستقرار المالي.
يونس.. ما بين الشعبية الدولية والتحديات الداخلية
في ظل الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين أنصار الثورة ومؤيدي عودة “الشرعية الانتخابية”، يقف محمد يونس أمام معادلة معقدة: كيف يحقق العدالة الانتقالية دون فتح الباب للانقسام؟ وكيف يضمن الأمن دون العودة إلى أساليب القمع القديمة؟ وهل سينجح في تسليم السلطة في مارس 2026 كما وعد، أم أن الطريق ما زال طويلاً أمام ديمقراطية حقيقية ومستقرة في بنغلاديش؟
المصدر الجزيرة نت
Barış su kaçak tespiti Sorunsuz İletişim: Telefonla tüm süreci kolayca koordine ettik. https://www.actugaming.net/author/kacak/