دولي

لوس أنجلس من واتس إلى جورج فلويد… مدينة الغضب المزمن ضد العنصرية

عادت مدينة لوس أنجلس إلى واجهة الأحداث في الولايات المتحدة، بعد اندلاع احتجاجات غاضبة منذ ثلاثة أيام، اعتراضًا على حملة اعتقالات جماعية للمهاجرين غير النظاميين في ولاية كاليفورنيا. الرئيس دونالد ترامب أمر، السبت، بنشر 2000 جندي من الحرس الوطني “للسيطرة على الفوضى”، في مشهد يعيد إلى الأذهان صفحات طويلة من التاريخ الدموي للعنصرية في أمريكا، وخصوصًا في مدينة لطالما كانت بؤرة للاشتباك بين السلطة والمجتمع.

احتجاجات اليوم: ترحيل وهويات مهددة

رغم معارضة حاكم الولاية غافين نيوسوم ونائبة المدينة كارين باس، كلاهما من الحزب الديمقراطي، قررت الإدارة الفيدرالية التدخل عبر الحرس الوطني، ما أثار انتقادات واسعة واتهامات بتجاوز صلاحيات الدولة. يأتي ذلك وسط توترات مرتبطة بسياسات الهجرة، حيث ترى شريحة واسعة من سكان لوس أنجلس—وخاصة الجاليات اللاتينية—في هذه الحملة تهديدًا لهويتهم وكرامتهم وحقهم في البقاء.

لكن هذا الغضب ليس جديدًا على مدينة “الملائكة”. فالتاريخ يعيد نفسه، منذ حي واتس في ستينيات القرن الماضي، حتى احتجاجات جورج فلويد في 2020. فكل عقد تقريبًا، تشهد المدينة شرارة احتجاج ضد عنف الدولة والتمييز العنصري.


من واتس إلى الحرس الوطني: 1965

في 11 أغسطس 1965، اشتعلت شرارة أعمال شغب واتس بعد توقيف شاب أسود يُدعى ماركيت فراي على يد شرطي أبيض بتهمة القيادة تحت تأثير الكحول. ما بدأ كحادث مرور سرعان ما تحول إلى تمرّد شعبي استمر ستة أيام وأسفر عن مقتل 34 شخصًا، معظمهم برصاص الشرطة أو الحرس الوطني، مع آلاف المصابين والمعتقلين. أُحرقت مئات المباني، وبلغت الخسائر أكثر من 40 مليون دولار، ولم يتعافَ الحي بعدها بالكامل.


“Blowouts” التعليمية: 1968

في مارس 1968، خرج أكثر من 15 ألف طالب من أصول مكسيكية في إضرابات مدرسية للمطالبة بمساواة تعليمية وفصول مزدوجة اللغة ومناهج تعكس ثقافتهم. عُرف هذا الحراك باسم “Blowouts” واعتُبر أول احتجاج جماعي ضخم لأمريكيين من أصول لاتينية ضد العنصرية. رغم القمع، فإن قادة الحركة أصبحوا لاحقًا رموزًا سياسية.


غضب رودني كينغ: 1992

في أبريل 1992، تكررت المأساة بعد أن بُرّئ ضباط شرطة من تهمة ضرب المواطن الأسود رودني كينغ، رغم وجود شريط مصور يوثق الحادثة. انفجرت المدينة، واندلعت أعمال شغب عنيفة استمرت ستة أيام، سقط فيها 63 قتيلًا، وأُصيب أكثر من 2300 شخص، مع خسائر تجاوزت مليار دولار. تدخل حينها الرئيس جورج بوش الأب بقانون التمرد، لكن بطلب رسمي من حاكم كاليفورنيا وعمدة المدينة.


جورج فلويد… الحراك الذي عبر القارات: 2020

أثارت واقعة مقتل جورج فلويد في مينيابوليس موجة احتجاجات عالمية. وفي لوس أنجلس، شارك الآلاف في مظاهرات غاضبة، اعتُقل خلالها أكثر من 3000 شخص، وانتشرت قوات الحرس الوطني بأعداد كبيرة. لكنها كانت مظاهرات شديدة الرمزية، تجاوزت في صداها حدود أمريكا، مذكّرة بعالم لم يتعافَ بعد من إرث العنصرية.


اليوم: صدى الماضي يعود

تقول المؤرخة إليزابيث هينتون من جامعة ييل، إن لوس أنجلس “تعيش حلقة متكررة من الغضب الشعبي، ليست وليدة اللحظة بل نتيجة عقود من التهميش”. وتشير إلى أن استخدام القوة المفرطة—خصوصًا دون تنسيق مع السلطات المحلية—يُعيد إنتاج نفس الأخطاء التي أشعلت الشارع مرارًا وتكرارًا.

ومع أن الاحتجاجات الحالية ضد شرطة الهجرة لم تبلغ بعد مستوى العنف في 1992، فإن استدعاء الحرس الوطني دون موافقة حاكم الولاية يمثل سابقة سياسية خطيرة تهدد بتوسيع الانقسام الأمريكي.


لوس أنجلس: مرآة وطن مضطرب

ما يجري في لوس أنجلس ليس حادثًا معزولًا، بل هو مرآة لواقع أعمق في أمريكا، حيث التمييز العنصري والشرطي والهوياتي ما زال يُغذي التوترات السياسية والاجتماعية. وبين المهاجرين، والسود، واللاتينيين، والفقراء، يتجدد السؤال: هل تتغير البلاد أخيرًا… أم تعود إلى نقطة الصفر؟    ش علي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى