
في ظل ازدحام غير مسبوق في روزنامة كرة القدم العالمية، تعود المخاوف الصحية المرتبطة بالإرهاق البدني والنفسي للاعبين إلى الواجهة، مع انطلاق النسخة الموسعة من كأس العالم للأندية المقامة حاليًا في الولايات المتحدة الأميركية وسط أجواء صيفية حارقة.
البطولة، التي تشهد لأول مرة مشاركة 32 فريقًا، تم الترويج لها كفرصة لتوسيع قاعدة التنافس العالمي، غير أنها واجهت انتقادات حادة بسبب الطقس الحار وظروف اللعب الصعبة، خاصة في ولايات الساحل الشرقي والغربي التي تشهد درجات حرارة تتجاوز 35 درجة مئوية.
☀️ حرارة مفرطة.. وتوقيت غير ملائم
مع انطلاق المباريات منتصف النهار لأغراض تتعلق بتغطية الأسواق الأوروبية والآسيوية، عانى اللاعبون من إجهاد حراري شديد، حيث رُصدت حالات إنهاك وجفاف على أرض الملعب. إحدى أبرز الصور المعبرة كانت لاعبو بوروسيا دورتموند وهم يتابعون المباراة من غرفة تغيير الملابس هربًا من الحر.
في إحدى مباريات الدور ثمن النهائي، تأجلت مباراة تشيلسي أمام بنفيكا لمدة ساعتين بسبب الحرارة، ما دفع مدرب “البلوز” إنزو ماريسكا إلى الهجوم على المنظمين بقوله:
“إذا اضطررنا لإيقاف سبع أو ثماني مباريات بسبب الطقس، فربما هذا المكان غير مناسب لهذه البطولة. هذا ليس بكرة قدم، بل هو اختبار لتحمل البشر”.
📉 ضغط المباريات.. استنزاف بدني ونفسي
أصبحت كرة القدم الحديثة تسير وفق روزنامة متواصلة، حيث ينهي اللاعبون مواسمهم المحلية ثم ينطلقون مباشرة نحو المنافسات القارية والعالمية. بعض النجوم مثل رودري، المتوج بالكرة الذهبية 2024، قال صراحة:
“لعبت أكثر من 60 مباراة في عام واحد… حتى الآلات تحتاج صيانة، فما بالك بالبشر؟”
المدربون كذلك أبدوا استياءهم، حيث صرح يورغن كلوب بأن ما يجري هو “استنزاف لا تطوير”، فيما رأى بيب غوارديولا أن “الإصابات والتعب النفسي في تزايد… لكن أحدًا لا يصغي”.
أما الفرنسي جول كوندي فنشر على منصة “إكس” قبل أيام منشورًا ساخرًا جاء فيه:
“بدأنا الموسم في يوليو 2024، والآن نحن في يوليو 2025 وما زلنا نلعب”.
⚠️ الجانب النفسي: المعاناة الصامتة
إلى جانب الجانب البدني، تعاني شريحة كبيرة من اللاعبين من الضغط النفسي نتيجة السفر المتكرر، التوقعات العالية، وغياب الحياة الشخصية.
تقرير صادر عن رابطة فيفبرو كشف أن أكثر من 40% من اللاعبين الدوليين يعانون اضطرابات نوم وتوتر مزمن.
وقدّم التقرير 12 توصية لتحسين بيئة العمل للاعبين، أهمها:
-
إجازة إلزامية لا تقل عن 4 أسابيع سنويًا
-
راحة في منتصف الموسم
-
سقف لعدد المباريات السنوية
-
فترات تعافي بعد الرحلات الطويلة
وأكد رئيس غرفة الاستشارات لدى فيفبرو، الدكتور دارين بورغيس، أن “الراحة ليست ترفًا بل ضرورة علمية ومهنية تحمي الصحة العامة للاعب”.
💸 المال أم الصحة؟
يرى نقاد أن السبب الحقيقي وراء توسع البطولات وزيادة عدد الفرق هو الدافع الربحي، إذ تحقق الهيئات المنظمة وعلى رأسها الفيفا، أرباحًا ضخمة من توسيع سوق النقل التلفزيوني والرعايات، على حساب صحة اللاعبين.
ويُلخّص هذا التوجه شعار غير معلن: “مباريات أكثر… أموال أكثر”.
فبينما تستعد الفيفا لتنظيم مونديال بـ48 منتخبًا في 2026، وتوسّع بطولات الأندية والمنتخبات القارية، يُطرح السؤال مجددًا: من يحمي اللاعب؟بطولة كأس العالم للأندية 2025 فتحت الباب مجددًا أمام نقاش طال انتظاره: إلى أي مدى يمكن للعبة أن تستمر بالتطور دون أن تنهك لاعبيها؟ في ظل الحرارة المفرطة وكثافة المباريات، يبدو أن الصحة الجسدية والنفسية للاعبين أصبحت على المحك، في وقتٍ تسير فيه اللعبة بسرعة أكبر من قدرة البشر على التحمل.