دوليسياسة

في خطوة توصف بالتاريخية والمفصلية في مواقف الدول الغربية، أعلنت فرنسا أنها ستعترف رسميًا بـدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المرتقب في أيلول/سبتمبر المقبل. الإعلان الذي صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ترافق مع رئاسة فرنسية-سعودية مشتركة لمؤتمر أممي يعقد هذا الأسبوع في نيويورك بهدف حث مزيد من الدول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

لكن هذا التحول في الموقف الفرنسي يطرح تساؤلات مشروعة: لماذا الآن؟ ولماذا بعد دعم غير مشروط لإسرائيل في السابق؟


📌 من “الدعم غير المشروط” إلى الاعتراف بفلسطين

غداة هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، سارع ماكرون إلى زيارة تل أبيب، حيث قدّم دعماً غير مسبوق وصفه بـ”غير المشروط” لإسرائيل، بل ودعا لتشكيل تحالف دولي للقضاء على حماس. وفي نوفمبر 2024، رفضت باريس تنفيذ مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في وقت صعّدت فيه إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة.

لكن بدءاً من أبريل 2025، وعلى متن طائرته العائدة من القاهرة، غيّر ماكرون لهجته، معلنًا أن باريس ستعترف بدولة فلسطين “في الأشهر المقبلة”. والآن، حُددت المهلة: سبتمبر المقبل.


🇫🇷 دبلوماسية في مأزق… وتحوّل اضطراري؟

يرى العديد من المحللين أن التحول الفرنسي لم يكن خياراً سياسياً حراً بقدر ما هو استجابة لضغوط إقليمية ودولية، لا سيما من دول الجنوب العالمي التي أصبحت تتهم الغرب بـ”ازدواجية المعايير” في التعامل مع النزاعات الدولية، خصوصًا بين أوكرانيا وفلسطين.

فبينما تُفرض عقوبات صارمة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، يتجاهل الغرب، في نظر هؤلاء، ما تعتبره الأمم المتحدة جرائم حرب ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك استخدام “التجويع كسلاح”.


📸 المجاعة في غزة: نقطة التحول الأخلاقي والسياسي

شكلت صور الأطفال الرضع من غزة، الذين يعانون من المجاعة في صيف 2025، لحظة صدمة للرأي العام الفرنسي والدولي. حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صرّح يوم 28 يوليو بأن “مؤشرات المجاعة في غزة باتت حقيقية”، رغم تأييده المطلق لإسرائيل.

بحسب الخبير الفرنسي جان-بول شانيولو، فإن هذه الصور الإنسانية القاسية كانت القشة التي دفعت الإليزيه إلى التحرك، في ظل تصاعد الانتقادات لمنظمات دولية كـ”العفو الدولية” التي طالبت فرنسا صراحة بـ”الانتقال من الأقوال إلى الأفعال”.


🗺️ فرنسا وتناقضات الدور الدولي

تعهدات ماكرون للاعتراف بفلسطين جاءت أيضًا مشروطة:

  • نزع سلاح حماس

  • إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين

  • تجديد مؤسسات السلطة الفلسطينية

لكن سرعان ما تبين أن هذه الشروط تفوق قدرة باريس على فرضها أو مراقبتها، ما دفع الدبلوماسية الفرنسية للتراجع عنها تدريجيًا، والإبقاء على موقف أكثر براغماتية يركّز على إعادة إحياء حل الدولتين، بغض النظر عن التطورات الميدانية.


🌍 دبلوماسية الجنوب… ومحاولة إعادة التموضع

في ظل تصاعد الحديث عن “الجنوب العالمي”، واعتراف أكثر من 140 دولة بدولة فلسطين، تحاول فرنسا استعادة مكانتها كوسيط دولي مؤثر، خاصة وأنها ستكون أول دولة من مجموعة السبع تعترف رسميًا بفلسطين.

هذا التموضع يهدف أيضًا إلى تعويض الفشل السابق للدبلوماسية الفرنسية في التأثير على مسار النزاع، من خلال لعب ورقة القانون الدولي و”العدالة المتوازنة” كخيار لإنهاء الحرب.


✍️ خلاصة

فرنسا، الدولة التي لطالما اتُهمت بالغموض في موقفها من النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، تتحرك الآن على وقع ضغوط إنسانية وجيوسياسية متزايدة.
قد لا يكون الاعتراف المرتقب بدولة فلسطين حلاً نهائيًا، لكنه يمثل رسالة سياسية واضحة:
الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون عدالة للفلسطينيين، ولا عدالة دون دولة لهم.

سبتمبر سيكون اختبارًا حاسمًا: هل تلتزم باريس بكلمتها؟ وهل ستحذو دول أوروبية كبرى حذوها؟ أم أن الاعتراف سيبقى ورقة تفاوض لا أكثر؟
الأجوبة تنتظرنا في الأمم المتحدة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى