
أصدرت محكمة سطيف، يوم الخميس، حكمًا بالسجن 10 سنوات نافذة في حق الشخص المتورط في حادثة الاعتداء على تمثال “عين الفوارة” الشهيرة بوسط المدينة، إلى جانب تغريمه بمبلغ 50 مليون سنتيم، وتعويض بقيمة 300 مليون سنتيم لصالح الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية. كما وُجّهت له تهمة التعدي على القوة العمومية.
هذا الاعتداء ليس الأول من نوعه، إذ سبق للمتهم نفسه أن أقدم على تحطيم أجزاء من التمثال سنة 2018، قبل أن يعيد فعلته بعد خروجه من السجن، ما أثار صدمة كبيرة في الأوساط الثقافية والرأي العام الجزائري.
لكن المستجد هذه المرة، أن مدير الثقافة بولاية سطيف، السيد هاشمي عامر، فاجأ الجميع بتصريحه أن الجاني كان في حالة سكر متقدمة، مما ألغى، حسبه، الدافع العقائدي الذي رُبط سابقًا بمثل هذه الاعتداءات.
التمثال بين الفن، الرمزية، والمجتمع
الواقعة فتحت الباب مجددًا لنقاش واسع حول التماثيل العارية في الفضاء العام، وفي مقدمتها تمثال “عين الفوارة”، الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، ويشكّل جزءًا من الذاكرة المعمارية لسطيف.
الكاتب محمد أرزقي فراد اعتبر أن التمثال يُعبّر عن ثقافة “لم تعد قائمة”، واقترح نقله إلى المتحف حفاظًا على المعلم وسياقه التاريخي، وهو رأي وافقه عليه الكاتب مصطفى خواص، ضمن ما سماه بـ”تفكيك الاستعمار الرمزي”.
في المقابل، سجّل مثقفون ونخب أخرى اعتراضًا على هذا الطرح، معتبرين أن الاستجابة لمطالب نقل التمثال بمثابة انتصار للجهل والتشدد، كما عبّر عن ذلك مدير دار “هومة” للنشر، فيصل هومة، الذي قال:
“عمر بن الخطاب دخل مصر وأفغانستان ولم نسمع أنه هدم تماثيل فنية، سواء لنساء أو رجال.”
حلول فنية وثقافية بديلة؟
في سياق أكثر تصالحًا بين الفن والمجتمع، اقترح الفنان إياد زيروني نقل التمثال إلى المتحف، وتعويضه بمنحوتة محلية تعبّر عن القيم الجزائرية، تحفظ جمالية المكان وتحترم مشاعر المواطنين.
الكاتب عبد العالي زواغي قدّم اقتراحًا مشابهًا: استبدال التمثال الحالي بتمثال امرأة سطايفية ترتدي الملاية أو بطلة وطنية جزائرية، ليحافظ المكان على رمزيته دون أن يكون مثار جدل متكرر.
حتى على الساحة الدولية، قضايا مشابهة وقعت في دول “منفتحة” كألمانيا، حيث تم نقل تمثال “فينوس دي ميديتشي” إلى المتحف سنة 2025 بعد اتهامه بالتمييز الجنسي.
خاتمة: بين الهوية، الفن، والديناميات الاجتماعية
حادثة “عين الفوارة” ليست مجرد قضية تخريب لمعْلم أثري، بل تعبّر عن صراع خفي حول الفضاء العام، والذاكرة الجماعية، ومكانة الفن في المجتمع.
وفي ظل تكرار مثل هذه الاعتداءات، يبدو أن النقاش حول هذه التماثيل سيستمر، لكنّ الحل ربما يكمن في فتح حوار حقيقي بين الفنانين، المجتمع، والمؤسسات الرسمية، لتجنب التوتر، وتحقيق توازن بين احترام الرموز الثقافية والتحولات القيمية في المجتمع الجزائري.