
من حق المواطن أن يفرح حين يسمع بمشروع “صفر ورقة”، فهو يعني نهاية الطوابير والملفات الثقيلة والبيروقراطية التي أنهكت الجزائريين لعقود، لكن الواقع في قطاع التكوين المهني يكشف مفارقة غريبة: التسجيل يوصف بأنه “عن بعد”، بينما المتربص مازال يركض وراء شهادة الميلاد والشهادة المدرسية وبطاقة التعريف الوطنية، يخرجها ورقاً من إدارة، ثم يعيد مسحها ضوئياً ليرسلها إلى إدارة أخرى، وكأننا استبدلنا الورق بكاميرا الهاتف دون أن نغيّر منطق الإدارة. هذه ليست رقمنة حقيقية، بل واجهة رقمية تخفي خلفها نفس البيروقراطية القديمة.
الخلل واضح، فالمشكل ليس في المتربص ولا في المنصة بل في غياب الربط بين الوزارات، إذ مازالت كل إدارة تعيش في جزيرتها المنعزلة، لا قاعدة بيانات مشتركة ولا تحقق آلي من الوثائق، والضحية دائماً هو المواطن الذي يلعب دور ساعي البريد بين مؤسسات الدولة.
الحديث عن “صفر ورقة” يبقى إذن سابقاً لأوانه، ما لم يصبح الرقم التعريفي الوطني مفتاحاً موحداً للملفات، وما لم تتبادل الوزارات معلوماتها مباشرة دون وسيط بشري، وما لم يُعتمد التوقيع الرقمي بديلاً للإمضاء التقليدي. وإلى أن يحدث ذلك، سيبقى “صفر ورقة” شعاراً يلمع في الخطابات، بينما في الواقع يرهق المواطن بملف ورقي في يد، وهاتف يلتقط صور الوثائق في اليد الأخرى.
تقرير موهدي صمودي