دولي

الشرع في موسكو: مصالح روسيا أولًا… وهل تُسلِّم موسكو الأسد “قربانًا” لتحالف جديد مع دمشق؟

في أول زيارة له إلى موسكو منذ الإطاحة ببشار الأسد نهاية العام الماضي، التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطوة تُعدّ اختبارًا لمستقبل العلاقات بين البلدين بعد ربع قرن من النفوذ الروسي الواسع في سوريا.

وخلال اللقاء، شدد الشرع على التزام حكومته بالاتفاقيات السابقة مع موسكو، مؤكدًا رغبته في “إعادة تعريف العلاقات الثنائية” بما يضمن استقلال القرار السوري ووحدة الأراضي. في المقابل، أعرب بوتين عن استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع دمشق، مشيدًا بإجراء الانتخابات البرلمانية السورية الأخيرة.

لكن خلف المجاملات الدبلوماسية، تبرز أسئلة معقدة حول مصالح روسيا الاستراتيجية ومستقبل حليفها السابق بشار الأسد، الذي تطالب السلطات السورية الجديدة بتسليمه لمحاكمته بتهم جرائم حرب.


موسكو تبحث عن النفوذ لا عن الحلفاء

في حوار مع فرانس24، استبعد الدكتور محمد صالح الفتيح، الخبير في الشؤون الدفاعية والاستراتيجية من لندن، أن تسلّم روسيا بشار الأسد، معتبرًا أن ذلك “سيقوّض مصداقيتها أمام حلفائها في العالم الثالث” الذين يرون في موسكو شريكًا حاميًا لا يتخلى عن أصدقائه.

وأوضح الفتيح أن روسيا تسعى من خلال هذا التقارب إلى الحفاظ على قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، وهما “الركيزتان الأساسيتان لنفوذها في الشرق الأوسط”، مضيفًا أن البقاء في سوريا يمثل بالنسبة لموسكو “انتصارًا جيوسياسيًا على الغرب” بعد محاولات أوروبية لإخراجها من المشهد السوري.

كما أشار إلى أن المصالح الاقتصادية تلعب دورًا رئيسيًا، إذ تمتلك روسيا عقودًا ضخمة في مجالات الطاقة والفوسفات، إلى جانب ديون مالية كبيرة على دمشق، من الصعب تحصيلها دون حوار مباشر مع الحكومة الجديدة.


دمشق بحاجة إلى موسكو أيضًا

من جانبها، تدرك الإدارة السورية الجديدة أهمية روسيا في موازنة علاقاتها الخارجية. فهي تحتاج إلى الدعم الروسي في مجلس الأمن لتعديل قوائم العقوبات الأممية المفروضة على قادتها، إضافة إلى الاعتماد على القمح والنفط الروسيين في ظل أزمة اقتصادية خانقة وجفاف غير مسبوق أدى إلى أسوأ موسم زراعي في تاريخ البلاد.

كما تراهن دمشق على التنسيق مع موسكو وأنقرة ضد الأكراد لتفادي ضغوط أوروبية متزايدة تطالبها بمفاوضات مباشرة مع “قوات سوريا الديمقراطية”.


الأسد بين اللجوء والحماية الروسية

ورغم أن دمشق الجديدة تطالب رسميًا بتسليم بشار الأسد المقيم في روسيا، فإن موسكو أعلنت من خلال وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنها منحته حق اللجوء السياسي “حمايةً لحياته”.
ويرى الفتيح أن هذا الموقف لن يتغير، لأن تخلي روسيا عن الأسد سيُنظر إليه كخيانة، وقد يثير قلق شركائها العسكريين في إفريقيا وآسيا الذين يعتمدون على دعمها.


خلاصة: براغماتية روسية وموازنة دقيقة

زيارة أحمد الشرع إلى موسكو تمثل بداية مرحلة دقيقة من إعادة التموضع السياسي بين دمشق وموسكو. فبينما تسعى سوريا الانتقالية لبناء علاقات قائمة على السيادة والمصلحة الوطنية، تركز روسيا على تثبيت موطئ قدمها الاستراتيجي في شرق المتوسط والحفاظ على نفوذها العسكري والاقتصادي في سوريا.

لكن، كما يؤكد الدكتور الفتيح، فإن “موسكو لن تسلّم الأسد قربانًا لأي تحالف جديد”، لأن روسيا في النهاية لا تبحث عن تبديل الحلفاء بقدر ما تسعى إلى تثبيت مصالحها الجيوسياسية في واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا.

المصدر فراننس24

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى