وطني

الديمقراطية والخبز: بين حراك الجزائر واحتجاجات المغرب

بقلم الصحفي: رشيد راجعي – الجزائر

شهدت المنطقة المغاربية خلال السنوات الأخيرة حركتين شعبيتين بارزتين: الحراك الجزائري سنة 2019، والاحتجاجات الشبابية التي يشهدها المغرب منذ سبتمبر 2025. ورغم اختلاف السياقات، فإن المشهدين يكشفان عن حقيقة واحدة: شعوب المنطقة تبحث عن الكرامة، لكنها تنطلق من أبواب مختلفة، مرة باسم الحرية والديمقراطية، ومرة باسم الفقراء والجياع.

في الجزائر، خرج الملايين في 22 فبراير 2019 ضد العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. كان المطلب الأساسي سياسيًا: رفض الاستمرارية في نظام مغلق، والمطالبة بفتح أبواب الديمقراطية، محاربة الفساد، وضمان الحرية للشعب. ومن اللافت أن ذلك الحراك لم يرفع أي شعارات اجتماعية تخص الغلاء في الأسعار، أو نقص الماء، أو الزيت، أو السكر. لم نسمع آنذاك هتافات عن البطاطا أو الدواء، بل كان الشعار جامعًا: لا للعهدة الخامسة. لقد كانت ثورة سياسية بامتياز، تسعى إلى تحرير الإرادة من قبضة سلطة هرِمة.

أما في المغرب، فقد كان المشهد مختلفًا تمامًا. انطلقت احتجاجات “جيل Z” بعد وفاة نساء في مستشفى عمومي، لكنها سرعان ما تحولت إلى انتفاضة اجتماعية أوسع. شعارات مثل “مستشفيات لا ملاعب” و*”نحن لسنا طفيليات”* تختزل غضب جيل كامل يواجه البطالة، انهيار التعليم والصحة، وغلاء الأسعار. والأكثر تعبيرًا أن الفيديوهات المتداولة تُظهر مواطنين يطالبون بأبسط ضروريات الحياة: من يصرخ من أجل الماء، من يبحث عن الغذاء، ومن يطلب إبرة دواء. إنها ليست فقط احتجاجات، بل نداء استغاثة من الفقراء والجياع.

وما زاد الطين بلة هو ذلك الاضطهاد الأكبر حين تُنتزع أراضي المواطنين لتُمنح لمستوطنين قادمين من إسرائيل تحت لافتة “الاستثمار”، بينما الحقيقة أنها أشكال من الاستيطان الخفي. هذا المشهد فاقم شعور الفئات الشعبية بالتهميش، إذ لم يعد الأمر يقتصر على غلاء المعيشة، بل امتد ليشمل ضرب الهوية والسيادة.

بل إن أكبر خطأ ارتكبه النظام الملكي في المغرب هو ربط علاقات رسمية مع إسرائيل. فالشعب المغربي وُلِد وتربى على رفض الاحتلال وكره الصهيونية، ولا يمكن أن يتقبل الدخيل فجأة تحت غطاء “التطبيع” أو “التعاون”. هذه الخطوة عمّقت الهوة بين الدولة والشعب، ورسّخت شعورًا عامًا بأن السلطة تبتعد يومًا بعد يوم عن نبض الشارع.

التاريخ يعلمنا أن “ثورة الأمراء” قلما تنجح، بينما “ثورة الفقراء” تهزّ العروش. الحراك الجزائري كان أقرب إلى ثورة الحرية والديمقراطية، بينما حراك المغرب أقرب إلى ثورة الجوع والكرامة الاجتماعية. وكلاهما معًا يكشفان أن الديمقراطية لا تكتمل من دون عدالة اجتماعية، وأن العدالة الاجتماعية لا تُصان من دون ديمقراطية.

إنها معادلة الحرية والخبز، السياسة والمعيشة، التي ستظل تؤرق منطقتنا حتى تجد الشعوب توازنًا يحفظ كرامتها في صندوق الاقتراع كما في رغيف الخبز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى