
الرياض – يشهد الذهب موجة صعود قوية مسجلاً مستويات تاريخية، في وقت يتساءل فيه المستثمرون عن أسباب هذا الارتفاع المتواصل. غير أن فهم ما يحدث اليوم لا يكتمل دون العودة إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي، حين عاش العالم واحدة من أعنف فترات الاضطراب الاقتصادي والسياسي، في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر.
في تلك المرحلة، لم يكن الذهب مجرد أداة مضاربة، بل ملاذاً أخيراً في عالم فقد توازنه، وهو السيناريو الذي يرى كثير من المحللين أنه يتكرر اليوم بأشكال مختلفة.
الذهب لا يرتفع عبثاً
شهدت سبعينيات القرن الماضي تلاقي أربعة عوامل رئيسية دفعت الذهب إلى قفزة تاريخية:
أول هذه العوامل كان التضخم الجامح في الولايات المتحدة وعدد من الاقتصادات الكبرى، حيث فقد الدولار جزءاً كبيراً من قوته الشرائية، وتآكلت المدخرات، بينما عجزت الأجور عن مواكبة ارتفاع الأسعار، ما خلق شعوراً عاماً بانعدام الأمان المالي.
العامل الثاني تمثل في أزمة الطاقة العالمية عقب حظر النفط العربي، إذ ارتفعت أسعار الوقود بشكل حاد، وتباطأ الإنتاج الصناعي، وتعطلت سلاسل الإمداد، ما أدخل الاقتصاد الأميركي في حالة شبه شلل وزعزع الثقة في استقرار النظام الاقتصادي.
أما العامل الثالث فكان الاضطراب الجيوسياسي، خاصة بعد الثورة الإيرانية عام 1979 وسقوط أحد أبرز حلفاء واشنطن في المنطقة، إضافة إلى أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين، وهو ما عزز الإحساس بأن العالم خارج السيطرة.
العامل الرابع والأكثر حساسية كان ارتباك السياسة النقدية الأميركية، حيث بقيت أسعار الفائدة أقل من مستويات التضخم، وفشل الاحتياطي الفيدرالي في اتخاذ قرارات حاسمة، ما ترك الدولار بلا حماية فعلية.
الذهب.. ملاذ عندما تفشل الأدوات
في ظل هذا المشهد القاتم، اتجه المستثمرون إلى الذهب باعتباره أصلاً لا يخضع لسلطة الحكومات ولا يمكن طباعته أو التلاعب به. ونتيجة لذلك، قفز سعر الأونصة من نحو 100 دولار إلى أكثر من 800 دولار بحلول عام 1980.
لكن مع تولي بول فولكر رئاسة الاحتياطي الفيدرالي واتباعه سياسة نقدية صارمة، ورفع أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق، استعادت الأسواق ثقتها تدريجياً، وتراجع الذهب مع انحسار المخاوف.
الخلاصة: التاريخ يعيد نفسه
لا يصعد الذهب لأنه أصل “محبوب”، بل لأنه مقياس للخوف وفقدان الثقة. فهو يزدهر عندما تهتز الأنظمة الاقتصادية، ويبلغ ذروته عندما تفشل الأدوات التقليدية في احتواء الأزمات.
ولهذا، فإن العودة إلى دروس سبعينيات القرن الماضي لا تُعد ترفاً تاريخياً، بل مفتاحاً أساسياً لفهم الاندفاع الحالي نحو الذهب في عالم يواجه تضخماً، توترات جيوسياسية، وتساؤلات متزايدة حول مستقبل النظام المالي العالمي. المحرر ش ع
المصادر:
-
تحليلات الأسواق العالمية
-
بيانات تاريخية لأسعار الذهب
-
تقارير بنوك استثمار دولية
-
أرشيف السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأميركي



