وطني

إعادة اكتشاف هوية الشهيد مختار سعيود بعد عقود من استشهاده: الأدلة الجنائية تؤكد هويته وتعيده إلى ذاكرة ميلة

بعد عقود من استشهاده، تمكّنت الأدلة الجنائية من كشف هوية هيكل عظمي تم العثور عليه قبل أيام في مغارة بوعشرة ببلدية الشيقارة ولاية ميلة. كشفت التحقيقات التي أجراها المعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام، أن الهيكل العظمي يعود للشهيد مختار سعيود، أحد أبرز شهداء الثورة الجزائرية، الذي وُلد في عام 1918.

تحقيق طويل ومعقد

بدأت القصة في أعقاب العثور على هيكل عظمي بشري داخل المغارة مع سلاحه وتجهيزاته، مما دفع إلى فتح تحقيق على مستوى الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بالشيقارة. بدأت عملية التعرف على هوية هذا الشخص المجهول عبر سلسلة من التحقيقات المعقدة التي تضمنت جمع الأدلة البيولوجية والمقارنات الجينية.

بداية، تم الوصول إلى المجاهد سعيود عبد الله، البالغ من العمر 83 عامًا، الذي أكّد أن والده، الشهيد مختار سعيود، كان من بين الذين اختفوا في تلك الفترة. لاحقًا، جرى التواصل مع ابنه مسعود الذي كان ينقل الطعام والمستلزمات للمجاهدين، وأفاد بأنه لا يحسن القراءة والكتابة، مما جعل التحقيقات تأخذ منحى أكثر تعقيدًا.

البصمة الوراثية تؤكد الهوية

في مرحلة متقدمة من التحقيقات، تم الاستعانة بيعقوب الدوادي، وهو ابن المجاهد المتوفى في 2020، الذي كان يحمل رسالة وجدها المحققون داخل المغلف الجلدي في المغارة. ومن خلال أخذ عيّنات بيولوجية من دم مسعود سعيود، تم استخراج البصمة الوراثية (ADN) ومقارنتها مع العينات المرفوعة من رفاة الهيكل العظمي. كما أُجريت فحوصات أنتروبولوجية على العظام، التي ساعدت في تحديد الأصل البيولوجي للرفاة.

التحليل النهائي: هوية مؤكدة

تُظهر نتائج التحاليل أن الهيكل العظمي يعود لشخص من جنس ذكر، قدّر عمره بين 41.3 إلى 63 عامًا، وطوله يتراوح بين 163.4 سم و180.9 سم. والأهم من ذلك، فإن البصمة الوراثية المستخلصة من عظام مشط اليد اليسرى تطابقت بشكل دقيق مع البصمة الوراثية لابن الشهيد، سعيود مسعود، مما أكد بنسبة 99.99% أن الهيكل العظمي يعود فعلاً للشهيد مختار سعيود.

استعادة الذكرى وتكريم الشهيد

هذه النتائج تُعد خطوة هامة في استعادة ذاكرة أحد الأبطال الذين قدّموا حياتهم في سبيل تحرير الجزائر. بعد عقود من الاستشهاد، تمكنت التحقيقات من إعادة الشهيد مختار سعيود إلى الذاكرة الجماعية للجزائريين، وخاصة أهل ولاية ميلة التي كانت شاهدة على كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي.

إن هذه الاكتشافات، التي تعتمد على التقنيات الحديثة في مجال الأدلة الجنائية، تبرز الأهمية المتزايدة للعلم في إعادة اكتشاف تفاصيل من تاريخ الجزائر الثوري، وتفتح المجال لفهم أعمق وأوضح حول تضحيات شهداء الجزائر الذين سطروا صفحات المجد والبطولة.

يأتي هذا الكشف عن هوية الشهيد مختار سعيود في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الحفاظ على ذاكرة الشهداء والتضحيات التي قدموها من أجل الحرية. إن ما تحقق من خلال هذا التحقيق يعكس جهودًا كبيرة من أجل احترام تاريخ الأبطال واستعادة هويتهم التي قد تُنسى بمرور الزمن، ولكنها تبقى حية في قلب كل جزائري. ش ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى