دولي

فرنسا: جدل بعد قيام الدرك بثقب قارب مهاجرين في المانش… هل غيّرت باريس “عقيدتها” في ملف الهجرة؟

أثار مقطع فيديو صوّرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ضجة واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية الفرنسية، بعد أن أظهر عناصر من الدرك الفرنسي وهم يقومون بـثقب زورق مطاطي يقلّ مهاجرين غير نظاميين، بينهم أطفال، كانوا على وشك الإبحار من شمال فرنسا نحو المملكة المتحدة عبر بحر المانش.

الحادثة، التي جرت يوم 4 جويلية قبالة شاطئ “سانت إتيان أو مون” بمنطقة با دو كاليه، جاءت قبل أيام فقط من انعقاد القمة الفرنسية البريطانية حول الهجرة، ما أضفى عليها طابعًا دبلوماسيًا حساسًا، وأثار تساؤلات حول ما إذا كانت فرنسا بصدد تعديل “عقيدتها” الأمنية في إدارة الهجرة غير الشرعية.

🇬🇧 لندن ترحّب… وباريس تبرّر

في أول رد فعل رسمي، رحّبت الحكومة البريطانية، عبر متحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر، بما اعتبرته “لحظة مهمة”، مؤكدة أن **الشرطة الفرنسية بدأت تستخدم أساليب جديدة لتعطيل القوارب قبل انطلاقها”، في إشارة إلى سياسة أكثر صرامة في التصدي لعمليات عبور المانش.

في المقابل، برّرت السلطات الفرنسية هذا التدخل بالقول إن “القارب كان في وضع خطر مباشر”، حيث قال وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو:

“أثق تمامًا في تصرف قواتنا الأمنية… تدخل الدرك كان لإنقاذ أرواح في وضعية حرجة”.

⚖️ انتقادات حقوقية: “لا إنقاذ بل اعتراض”

عدد من المنظمات الحقوقية والمساعدة للمهاجرين، مثل جمعية يوتوبيا 56 وأوسموز 62، استنكرت ما جرى بشدة، معتبرة أن “الدرك لم ينقذ الأرواح بل عرّضها للخطر”، ووصفت التصرف بـاللاإنساني.

وفي السياق ذاته، قالت الباحثة في القانون الدولي، ماري لور بازيليان غاينش، أن ما حدث “يصعب تصنيفه كعملية إنقاذ، إذ لم يطلب المهاجرون النجدة، ولم يكن القارب في عرض البحر”، مضيفة أن منع الأشخاص من مغادرة الأراضي الفرنسية قد يُعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، الذي ينص على حق كل فرد في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده الأصلي.

🔍 عقيدة جديدة تحت الضغط البريطاني؟

منذ توقيع اتفاقيات لو توكيه (2004)، تعتمد فرنسا إجراءات لمنع المهاجرين من مغادرة أراضيها باتجاه بريطانيا. لكن الفيديو الأخير، إضافة إلى تصريحات المسؤولين البريطانيين، يُظهران تحولًا تدريجيًا نحو سياسة أكثر تشددًا، خاصة مع ضغوط حكومة كير ستارمر الجديدة، والتي وعدت بتقليص أعداد المهاجرين غير النظاميين، وسط صعود أحزاب يمينية متطرفة.

ورغم نفي باريس الرسمي لأي “تغيير في العقيدة”، إلا أن مؤشرات الواقع تشير إلى تعزيز التنسيق الأمني الفرنسي البريطاني، خاصة بعد تمديد العمل بـمعاهدة ساندهيرست حتى 2027، والتي تنظم التعاون الثنائي في ملفات الهجرة والحدود.

⚠️ أرقام مقلقة

وفق إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية، وصل أكثر من 20 ألف مهاجر إلى المملكة المتحدة منذ بداية 2025، بزيادة 7 آلاف عن نفس الفترة من العام الماضي. ويشكل القادمون من أفغانستان وسوريا والسودان وإريتيريا وإيران النسبة الأكبر من هؤلاء.

وفي المقابل، سجّل العام الجاري وفاة 17 شخصًا أثناء محاولتهم عبور المانش، في حين كان العدد في 2024 هو 78 قتيلاً، في حصيلة غير مسبوقة.

❓هل ستكون “ثقب القوارب” سياسة ممنهجة؟

بينما تستمر الضغوط البريطانية وتصاعد حدة الجدل الحقوقي، يبقى السؤال مفتوحاً:
هل أصبحت فرنسا مستعدة لاعتماد “سياسة الإحباط المسبق” للمهاجرين، حتى على حساب القيم الحقوقية ومبادئ القانون الدولي؟
أم أن الحادثة مجرد استثناء في سياق أمني معقّد؟

الإجابات قد تتضح في الأيام القادمة، مع انطلاق أعمال القمة الفرنسية البريطانية في لندن، حيث سيكون ملف الهجرة في قلب النقاشات الساخنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى