
في ظل التوترات السياسية المستمرة بين الجزائر والمغرب، يبرز ملف المياه كأحد القضايا الحساسة التي قد تضاف إلى قائمة الصراعات الثنائية بين البلدين. ففي الآونة الأخيرة، وجهت الجزائر اتهامات للمغرب بتقليص حصتها من مياه وادي كير الذي يمتد من الأراضي الجزائرية إلى المغربية، ما أثار قلقًا جزائريًا بشأن تأثر الموارد المائية التي تزود بعض المناطق الحيوية في الجزائر.
تصعيد دبلوماسي على خلفية المياه
الجزائر لم تقتصر على التعبير عن قلقها على المستوى المحلي فقط، بل أدرجت القضية على الساحة الدولية عدة مرات. ففي تصريحات لوزير الري الجزائري، طه دربال، أشار إلى أن المغرب يقف وراء تجفيف متعمد للمياه على الحدود الغربية، ما أثر سلبًا على المناطق التي تعتمد على مياه الوادي. وفي مايو 2024، خلال منتدى المياه العالمي، وصف دربال الممارسات المغربية بأنها “تدمير للمياه عبر الحدود”، ليعود ويجدد هذا الخطاب في أكتوبر الماضي أثناء اجتماع دولي في سلوفينيا.
وقد أشار وزير الري الجزائري إلى أن المغرب قد عرقل تدفق المياه السطحية عبر الحدود، مما يزيد من تعقيد الأزمة بين البلدين. كما أن التصعيد لم يتوقف عند وادي كير، بل امتد ليشمل السدود أيضًا، حيث اتهمت الجزائر المغرب بتسبب سد قدوسة المغربي في تقليص تدفق المياه إلى سد الجرف الأصفر الجزائري، ما أسفر عن كارثة بيئية أدت إلى نفوق الأسماك وهجرة الطيور بسبب تناقص منسوب المياه.
تداعيات بيئية وإنسانية على الجزائر
تسببت هذه القضايا في تدهور الأوضاع البيئية في الجزائر، حيث شهدت بعض المناطق مثل ولاية بشار نقصًا حادًا في المياه. وأصبحت هذه الولاية تعتمد على المياه مرة واحدة كل عشرة أيام فقط، مما أثار استياءًا شعبيًا واسعًا وقلقًا كبيرًا من تداعيات هذا الوضع على الحياة اليومية للمواطنين.
نفي المغرب للاتهامات
من جانبها، نفت المملكة المغربية جميع الاتهامات التي وجهت إليها من قبل الجزائر. وأكدت وسائل الإعلام المغربية أن هذه الادعاءات غير صحيحة، وأن المياه عبر الحدود تتدفق بشكل طبيعي وفقًا للاتفاقات القائمة بين البلدين. ورغم هذا، تواصل التوترات بين الجانبين، مما يرفع من احتمال تحول هذا الملف إلى نقطة خلاف جديدة في صراع مستمر على عدة جبهات.
الصراع الدبلوماسي المستمر
من الجدير بالذكر أن التوترات بين الجزائر والمغرب لم تقتصر على ملف المياه فقط، بل شملت أيضًا القضايا السياسية الكبرى، أبرزها النزاع حول الصحراء الغربية. بالإضافة إلى ذلك، استمرت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين منذ صيف 2021، عندما قررت الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط في خطوة وصفت بأنها رد على ممارسات مغربية استفزازية.
وفي هذا السياق، كانت الوثائق العسكرية المسربة التي تكشف عن استعداد القوات المغربية والفرنسية لإجراء مناورة عسكرية مشتركة بالقرب من الحدود الجزائرية مصدر قلق آخر للجزائر. هذه المناورة، التي كانت مقررة في سبتمبر 2025 تحت اسم “شركي 2025″، قد تعزز من حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا، خاصة في ضوء المواقف السياسية المتباينة بين البلدين.
في ظل تزايد التوترات السياسية والدبلوماسية بين المغرب والجزائر، يبدو أن ملف المياه قد يضاف إلى قائمة الصراعات التي قد تشهدها المنطقة في المستقبل القريب. فإلى جانب النزاع التاريخي حول الصحراء الغربية، قد تصبح قضية المياه نقطة محورية أخرى يمكن أن تؤجج الأزمات بين البلدين، ما يستدعي تدخل المجتمع الدولي لبحث حلول عادلة ومستدامة في هذا الملف الحيوي.