دولي

بين المؤسسة العسكرية ونتنياهو.. انقسام إسرائيلي بشأن مفاوضات غزة

تتباين في إسرائيل الرؤى بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام صفقة مع حركة “حماس” والتي يجري التفاوض بشأنها، بين تيارين أولهما المؤسسة العسكرية التي تدفع باتجاه إتمام الصفقة ودفع الثمن المطلوب لذلك، مثل وقف الحرب، أو تغيير شكلها، والانسحاب من غزة، في مقابل تيار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يرفض دفع “ثمن جدي” لتبادل الأسرى مثل وقف إطلاق نار تام ومعلن، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين.

ويرى تيار المؤسسة العسكرية، أن الصفقة تحقق له مجموعة من المصالح والأهداف المهمة، منها إطلاق سراح من تبقى على قيد الحياة من 125 أسيراً إسرائيلياً ومحتجزاً في غزة، وإخراج الجيش من غزة بعد 9 أشهر من الحرب، “حقق فيها ما استطاع من أهدافها، وتجنب حدوث حرب غير مرغوبة مع (حزب الله) في لبنان”.

ويعبر هذا التيار أن ما لم يتمكن الجيش من تحقيقه خلال الأشهر الـ 9 الماضية، مثل تحرير المحتجزين والأسرى الإسرائيليين، والوصول إلى قادة حركة “حماس”، خاصة رئيسها يحيى السنوار، ورئيس الجهاز العسكري محمد الضيف، والقضاء على كامل التشكيلات العسكرية للحركة والفصائل الأخرى، “لن يتمكن من تحقيقها في الأشهر، وربما السنوات المقبلة”.

أما التيار الثاني، الذي يقوده نتنياهو، فيسعى إلى تحقيق صفقة دون دفع الثمن المطلوب، المتمثل في “وقف الحرب وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين بارزين”.

وصرح نتنياهو في وقت سابق، أنه يسعى لتطبيق المرحلة الأولى فقط من الصفقة المؤلفة من 3 مراحل، وهي التي سيجري فيها إطلاق سراح الفئات “الضعيفة” من المحتجزين الإسرائيليين، مثل كبار وصغار السن والنساء والمرضى والمصابين والمجندات، مشدداً على أنه سيستأنف الحرب بعد ذلك.

حرب استنزاف طويلة

تيار المؤسسة العسكرية، يعتقد أن حركة “حماس” يمكنها خوض حرب استنزاف طويلة مستندة إلى “شبكة عنكبوتية” من الأنفاق التي يستحيل على إسرائيل اكتشاف جميعها وتدميرها، وإلى جيش من المقاتلين الذين لا خيار آخر أمامهم سوى المواجهة ومواصلة القتال.

كما يرى أن استمرار القتال على هذا النحو يؤدي إلى استنزاف الجيش، وبخاصة جنود وضباط الاحتياط، كما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد، وإبقاء حوالي 120 ألف نازح إسرائيلي من بلدات وقرى الشمال والجنوب بعيداً عن بيوتهم ومزارعهم ومعاملهم ووظائفهم، وقد يقود إلى حرب مع “حزب الله”، لن تكون نتائجها بالنسبة لإسرائيل أفضل من نتائج حرب غزة.

ويساند هذا التيار مجموعة من النخب السياسية والعسكرية المهمة مثل زعيم المعارضة يائير لبيد، وقادة معسكر الدولة الذين كانوا في مجلس الحرب والذين شغلوا مناصب عسكرية مهمة مثل بيني جانتس وجادي أيزنكوت، ووزيريْ الدفاع الأسبق موشى يعلون والحالي يوآف جالانت وغيرهم.

وبحسب هؤلاء، فإن نتنياهو قد يختار عدم التوصل إلى اتفاق مع “حماس”، “خدمة لمصالحه السياسية على حساب حياة المحتجزين وعلى حساب مصالح إسرائيلية استراتيجية، وعلى حساب علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة”، التي تسعى إلى تجنب اشتعال حرب مع حزب الله وإيران، ولا ترى مصلحة لإسرائيل ولها في مثل هذه الحرب، وتسعى، بدلاً من ذلك، إلى “خلق بيئة سياسية إقليمية تخدم مصالحها ومصالح إسرائيل الاستراتيجية”.   

مطالب “حماس” ورفض إسرائيل 

وينص مشروع الاتفاق على تبادل أسرى بين الجانبين، مترافقاً مع هدنة وانسحابات إسرائيلية متتالية، وصولاً إلى الانسحاب التام خلال ثلاث مراحل، مدة كل مرحلة منها شهر ونصف الشهر، فيما يجري في المرحلة الثانية التفاوض على إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين من الجنود وترتيبات “الهدوء المستدام”.

ونصت الورقة التفاوضية الأخيرة على أن يجري التفاوض على شروط المرحلة الثانية، ابتداء من اليوم 16 من المرحلة الأولى، وبما لا يتجاوز الأسبوع الخامس من المرحلة الثانية.

وبالعودة إلى الصفقة، فقد طالبت “حماس” بعدم تحديد سقف زمني لمفاوضات المرحلة الثانية، وابقائها مفتوحة إلى حين التوصل إلى اتفاق، وهو ما رفضته إسرائيل، ما أوصل الجهود إلى طريق مسدود.

لكن الإدارة الأميركية استأنفت مؤخراً جهوداً وأدخلت تعديلات على الورقة التفاوضية، ما أعاد فتح الطريق أمام العودة إلى المفاوضات من جديد. 

وقالت مصادر مطلعة لـ”الشرق”، إن التعديلات الأميركية، شملت إدخال كلمة “تعهد” الوسطاء بالعمل على أن تنتهي المفاوضات إلى التوصل لاتفاق، بدلاً من جملة “يبذل الوسطاء جهودهم” من أجل أن تفضي المفاوضات إلى اتفاق.

وطالبت “حماس” بإدخال كلمة “يتعهد” الوسطاء، بدلاً من “يبذلون جهودهم”، إضافة إلى رسالة تطمينات من الوسطاء الى الحركة تحمل هذا التعهد.

بدورها، رفضت إسرائيل مطالب “حماس”، لكن مصادر قريبة من المفاوضات قالت لـ “الشرق”، إن هذا الرفض “لن يعيق العودة إلى المفاوضات، وذلك، لأن تعهد الوسطاء لا يلزم إسرائيل رسمياً، وأن نتنياهو “يمكنه التملص من الاتفاق في أي وقت يريد، حال قرر ذلك”.

ويخشى الوسطاء أن يحاول نتنياهو التملص من الاتفاق، واستئناف الحرب قبل انتهاء المرحلة الثانية، كما كان أعلن في وقت سابق. 

عقدة نتنياهو

وقالت مصادر مطلعة لـ”الشرق”: “هناك تقديرات بأن يسعى نتنياهو لإبقاء نيران الحرب مشتعلة كي يتجنب المسائلة عن فشله في منع هجوم السابع من أكتوبر، ويتجنب أيضاً انهيار حكومته”.

وأضافت: “هناك قلق من أن نتنياهو سيرفض إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين الكبار، مثل قادة الجناح العسكري لحركة حماس وغيرها من الفصائل، وأن يؤدي ذلك إلى انهيار المفاوضات في مرحلتها الثانية، والعودة إلى القتال”.

لكن الإدارة الأميركية تقدم تطمينات للوسطاء، بالعمل مع المسؤولين الإسرائيليين عن قرب، من أجل مواصلة العملية التفاوضية، وصولاً إلى الاتفاق النهائي الذي تخرج بموجبه القوات الإسرائيلية من غزة، لكنها تبقى على حدود القطاع.

وترى بعض المصادر، أن نتنياهو قد يذهب إلى هذا السيناريو، لأنه “لا يتضمن أي إعلان رسمي بانتهاء الحرب، ويمكن لإسرائيل شن هجمات على أهداف في غزة، مدعية أن هذه الهجمات تستهدف محاولات لإعادة بناء القدرات العسكرية للفصائل في غزة”.  

لكن هذه المصادر لا ترى أنه من السهولة بمكان، التوصل إلى اتفاق مقبول لتبادل الأسرى، بسبب رفض إسرائيلي محتمل لإطلاق سراح أسري فلسطينيين كبار.

ماذا يحقق الاتفاق لغزة؟

ويحقق الاتفاق للفلسطينيين، حال تطبيق المرحلة الأولى وجزء من المرحلة الثانية، مجموعة من الأهداف، منها وقف القتل اليومي لفترة تصل لنحو 80 يوماً متواصلة، هي السقف الذي تحدده الورقة التفاوضية، وهو نهاية الأسبوع الخامس من المرحلة الثانية، وعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، وحصولهم على خيام وبيوت متنقلة.

كما يوفر المواد الغذائية في وقت يعاني فيه سكان الشمال من جوع حقيقي، إذ يسمح الاتفاق بدخول 600 شاحنة من المساعدات الإنسانية يومياً، بما في ذلك المواد الطبية، وسط قبول أميركي للمرونة التي تبديها حركة “حماس” في ذلك.

ويرى الوسطاء، خاصة الإدارة الأميركية، أن توقف القتال لفترة طويلة، سيجعل العودة إلى الحرب “أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، وتالياً سيعبد الطريق أمام مواصلة وقف النار والانسحاب من كامل غزة”.

لكن الجانب الأميركي “لا يضمن” عدم قيام إسرائيل بشن هجمات على أهداف في غزة، بعد انتهاء المراحل الثلاث، ذلك أن أميركا تؤيد قيام إسرائيل بشن غارات على أي محاولات لإعادة بناء القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية في غزة.

وقالت مصادر قريبة من المفاوضات، في تصريحات لـ”الشرق”: “ستكون حماس في نهاية الاتفاق أمام خيارين، الأول هو: التكيف مع الواقع الجديد، وتجنب الأسباب التي تعيد الهجمات الإسرائيلية من خلال التوقف عن إعادة بناء القدرات العسكرية، أما الثاني فهو قبول فكرة تجريد قطاع غزة من السلاح، وإبعاد المسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر إلى خارج القطاع”.

وأضافت المصادر: “المؤكد أن حماس لن تقبل الخيار الثاني، لكن من الممكن أن تقبل الخيار الأول، أو تتعايش معه من خلال بقاء القادة في الأنفاق وتجنب المظاهر العسكرية على الأرض”.

المصدر الشرق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى