أخبار التكنولوجيادولي

أردوغان يصف دعوة أوجلان لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح بـ”الفرصة التاريخية” لإنهاء النزاع الممتد منذ عقود

في تحول كبير في المشهد السياسي التركي، رحّب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي يقبع في السجون التركية منذ عام 1999، إلى حزب العمال الكردستاني الذي أسسه لإلقاء السلاح وحلّ نفسه، واصفًا إياها بأنها “فرصة تاريخية” قد تكون حاسمة في إنهاء النزاع المستمر بين الدولة التركية والحزب الكردي الذي أسس مقاومته المسلحة ضد أنقرة منذ أكثر من 40 عامًا.

خلفية النزاع

منذ عام 1984، يخوض حزب العمال الكردستاني نزاعًا مسلحًا ضد الحكومة التركية للمطالبة بحقوق الأكراد في تركيا، بما في ذلك الحكم الذاتي. وقد أسفر هذا النزاع عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، إلى جانب معاناة اقتصادية واجتماعية واسعة في المناطق التي شهدت تصاعدًا للعنف. كما أن الحزب الكردي يعد من قبل تركيا والعديد من حلفائها الغربيين منظمة إرهابية، مما يعقد أي مفاوضات من أجل السلام.

دعوة أوجلان: خطوة جديدة نحو السلام؟

يعد إعلان أوجلان في 27 فبراير 2025 بمثابة مفاجأة كبيرة في هذا السياق، حيث دعا جميع المجموعات المسلحة إلى إلقاء السلاح، مؤكداً على ضرورة أن يُحل حزب العمال الكردستاني نفسه. ورغم أن هذا التصريح يعد خطوة مهمة نحو تهدئة الوضع، فإن القيادات العسكرية لحزب العمال الكردستاني لم ترد بعد على الدعوة، ما يثير تساؤلات حول مدى جدية هذه الدعوة في الوصول إلى اتفاقات ملموسة.

وأشاد الرئيس التركي بهذه الدعوة، قائلاً: “لدينا فرصة تاريخية للتقدم نحو هدف تدمير جدار الإرهاب”، في إشارة إلى إمكانية تحقيق السلام وإنهاء النزاع. كما أكد أن تركيا ستراقب عن كثب التطورات في هذا الملف لضمان نجاح المحادثات و”إنهاء التمرد” بشكل نهائي، مشدداً على أن أي محاولة للتدخل أو “الاستفزازات” ستواجه بالتصدي الحازم.

التحذيرات والآمال

أردوغان لم يخفِ تفاؤله من هذه الدعوة، لكنه في الوقت ذاته حذر من أي محاولات لعرقلة العملية، قائلًا: “لن يغفر أي عضو في هذه الأمة، سواء كان تركياً أو كردياً، لأي شخص يعرقل هذه العملية من خلال خطابات أو أفعال غامضة، كما حدث في الماضي”. هذا التحذير يعكس القلق التركي من أن أي تصرفات متطرفة قد تعيد إحياء النزاع العنيف مرة أخرى.

وفي حديثه، أكد أردوغان أن إزالة التهديدات الإرهابية وحل النزاع سوف يؤدي إلى “توسيع مساحة السياسة في الديمقراطية” بشكل طبيعي، مما يفتح المجال أمام مزيد من التفاعل السياسي بين مختلف القوى في تركيا. وهذا يوضح كيف يراه أردوغان فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي التركي بعد سنوات من القمع والعنف.

نظرة على ردود الفعل

من جانبها، لم تصدر أي ردود فعل رسمية من حزب العمال الكردستاني أو من قادته العسكريين بعد دعوة أوجلان. وتعد هذه النقطة غامضة، إذ لا يزال مصير هذه الدعوة في مهب الريح، وسط شكوك حول ما إذا كانت قيادة الحزب مستعدة فعلاً لقبولها. لكن في المقابل، يرى بعض المراقبين أن هذه الدعوة تمثل بداية جديدة في عملية السلام التي بدأت فعلاً في عام 2013، خلال فترة ما يسمى بـ”عملية الحل”، والتي تعثرت لاحقًا في 2015 بسبب تجدد الأعمال العسكرية.

أما على الصعيد الشعبي، فقد لاقت الدعوة ترحيبًا في أوساط البعض الذين يرون أن إنهاء العنف قد يفتح المجال لتحقيق مطالب الأكراد السياسية في إطار النظام التركي، بينما يراها آخرون مجرد خطوة سياسية تهدف إلى تعزيز موقف تركيا الداخلي قبل الانتخابات.

سياق سياسي حساس

ويجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه الدعوة تأتي في سياق سياسي حساس، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا عام 2025. فقد يسعى أردوغان من خلال هذه الدعوة إلى تعزيز صورته كزعيم يسعى للسلام ويعمل من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد. ولكن من جهة أخرى، قد تشكل هذه الدعوة اختبارًا حقيقيًا للحكومة التركية في قدرتها على المضي قدمًا في مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني دون أن تفقد قاعدة دعمها الشعبية، التي تتأثر بمواقف قوية ضد الإرهاب.

التحديات المستقبلية

ورغم التفاؤل الذي أبداه أردوغان، يبقى هناك تحديات كبيرة في تحقيق نتائج ملموسة. أولًا، تتطلب هذه العملية تغييرًا جوهريًا في السياسات الأمنية التركية، التي تعتمد بشكل كبير على مكافحة الإرهاب عبر القوة العسكرية. ثانيًا، يظل هناك انقسام كبير في المجتمع التركي حول كيفية التعامل مع القضية الكردية، حيث يصر العديد من الأتراك على أن الأكراد يجب أن يحترموا وحدة تركيا دون المطالبة بأي شكل من أشكال الحكم الذاتي.

إذن، تبدو دعوة أوجلان خطوة فارقة في تاريخ الصراع التركي الكردي، وتفتح الأفق لإمكانية إنهاء هذا النزاع الطويل، لكن هذه العملية بحاجة إلى وقت وجهد دبلوماسي كبير من جميع الأطراف المعنية. وبينما يعبر أردوغان عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى حل، فإن المرحلة المقبلة ستظل مليئة بالتحديات والتعقيدات التي تتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتحقيق السلام الدائم. ش ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى